للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإليك كلمات في أركان الشريعة والسياسة في البلاغ، وأمثلة من نصوص الكتاب والسنة وسيرة الخلفاء الراشدين، وسوف يتبين لك منها سعة الشريعة وغناها بالنصوص والقواعد العامة، والجزئيات الخاصة التي تشرح حق الله على عبده، وحق العبد على ربه، وحق الراعي والرعية، وتحدد موقف الدولة من الدولة في السلم والحرب، والعلاقة بين أفراد الشعب وجماعاته، بل بينت حقوق الحيوانات والعجماوات على راعيها وحدث من تسخيره لها وتسلطه عليها على وجه من العدالة يكفل لها البقاء، وحل جميع ما يجد من المشاكل العامة والخاصة على أقوم وأهدى سبيل.

إن للشريعة أصولا إليها ترجع، ودعائم عليها تقوم، فشريعة الصلاة والصيام والزكاة ونحوها من العبادات لا يستقيم أداؤها ولا التنسك بها إلا إذا عرف العابد أن يتقرب إليه غني كريم، قوي متين، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، إلى غير ذلك من صفات الجلال والإنعام وقوة البأس وشدة الانتقام، فإنه إذا عرفه العباد بذلك أشربت قلوبهم حبه، واستشعرت كمال الذل والخوف منه، فأسلموا وجوههم إليه، وعبدوه عبادة من يعلم أنه يسمعه ويراه ويراقبه في كل شئونه وأحواله رجاء رحمته وخشية عذابه.

وشريعة المعاملات لا تعدو -ذلك النهج- نهج العبادات؛ فإن استقامة الناس في أخلاقهم، وعدلهم في رضاهم وغضبهم، وإنصافهم لأوليائهم وأعدائهم، ونصحهم في بيعهم وشرائهم، وجميع معاملاتهم يتوقف على شعور القلب بهيمنة قوة غيبية فوق قوى العالم، قوة رب قادر يخفض ويرفع ويعطي ويمنع على سنن قويم من الحكمة والعدالة، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، ولا راد لما قضى، بذلك الشعور يستقيم حال الإنسان، وينتظم أمره في سره وعلنه، فيرعى الحقوق دفعا لعذابه ونقمته، وبذلك الشعور وحده يجتمع شمل العالم ويعم الأمن والسلام جميع مرافق الحياة.

<<  <   >  >>