وما تنزلت به الشياطين {وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} .
وليست الرسالة أيضا من جنس ما تجود به قريحة الشعراء، وتمليه عليهم مما تهواه نفوسهم، فإن الشعراء -إلا من عصم الله- يغلب عليهم أن يسلكوا كل فج، ويضربوا في كل واد، ومن سلك سبيلهم كان على شاكلتهم في الغي والفساد.
أما الرسل فقد جاءوا بالهدى ودين الحق، ومن سلك سبيلهم كان على بصيرة في عمله وبينة من أمره واستقامة في سيره، قال تعالى:{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} .
ومن المعجزات ما يرجع إلى آيات حسية أكرم الله بها رسله ومن آمن بهم من تفريج كربة وإزالة شدة، أو خوارق عادات طلبتها الأمة بغيا وعنادا، كانشقاق القمر، فأجيبت إليها دفعا للحرج عن الرسل وزيادة في التثبيت لهم والإعذار إلى من كفر بهم، ومنها ما يرجع إلى تعليم الصناعات وتيسير طريقها كإسالة عين القطر وإلانة الحديد لداود عليه السلام على خلاف السنة الكونية، ليكون ذلك آية له وكرامة، ليكون سعة للعباد ورحمة لهم، وكتسخير الريح والطير والجن لسليمان عليه السلام، إلى غير ذلك مما لا يحصيه إلا الله، ومن اطلع على قصص الأنبياء في القرآن وكتب السير وجد الكثير من ذلك، وسأذكر جملة منها بعد ترشد إلى ما وراءها مما لم يذكر إن شاء الله.
وقد بين سبحانه لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم في كثير من قصص القرآن الطريقة المثلى التي يثبت بها رسالته ويحاج بها أمته، وأرشده إلى كون ذلك القصص آية بينة توجب عليهم أن يستجيبوا لما دعاهم إليه من التصديق برسالته، والإيمان بسائر ما جاءهم من عند الله.