للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه الدلالات من جنس واحد عند التأمل، ولهذا دعا -سبحانه- عباده إلى الاستدال بذلك على صفاته، فهو يثبت العلم بربوبيته، ووحدانيته، وصفات كماله بآثار صنعته المشهودة، والقرآن مملوء، فيظهر شاهد اسم الخالق من المخلوق نفسه، وشاهد اسم الرازق من وجود الرزق، والمرزوق، وشاهد اسم الرحيم من شهود الرحمة المبثوثة في العالم، واسم المعطي من وجود العطاء الذي هو مدرار لا ينقطع لحظة، واسم الحليم من حلمه على الجناة، والعصاة، وعدم معاجلتهم بالجزاء، واسم الغفور، والتواب من مغفرة الذنوب، وقبول التوبة، ويظهر اسم الحكيم من العلم بما في خلقه، وأمره من الحكم، والمصالح، ووجود المنافع.

وهكذا كل اسم من أسمائه الحسنى له شاهد في خلقه وأمره. يعرفه من عرفه، ويجهله من جهله. فالخلق، والأمر من أعظم شواهد أسمائه وصفاته. وكل سليم العقل، والفطرة يعرف قدرة الصانع، وحذقه على غيره، وتفرده بكمال لم يشاركه فيه غيره من مشاهدة صنعته فكيف لا تعرف صفات من هذا العالم العلوي والسفلي، وهذه المخلوقات من بعض صنعه، وإذا اعتبرت المخلوقات، والمأمورات وجدتها بأسرها كلها دالة على النعوت، والصفات، وحقائق الأسماء الحسنى، وعلمت أن المعطلة من أعظم الناس عمى، ومكابرة، ويكفي ظهور شاهد الصنع فيك خاصة، كما قال -تعالى-: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} .

فالموجودات بأسرها شواهد صفات الرب -جل جلاله- ونعوته، وأسمائه، هي كلها تشير إلى الأسماء الحسنى، وحقائقها، وتنادي بها وتدل عليها، وتخبر بها بلسان النطق والحال كما قيل:

<<  <   >  >>