وتوقف التشريع والتكليف على إرسال الرسل، وتقديم السمع على العقل على تقدير التعارض، فمن وافقهم في هذه الأصول فهو منهم، وإن خالفهم في غيرها، ومن وافقهم في بعضها، ففيه منهم بقدر ذلك، وقد اجتمعوا بحروراء برئاسة عبد الله بن الكواء، وعتاب بن الأعور، وعبد الله بن وهب الراسبي، وعروة بن حدير، ويزيد بن عاصم المحاربي، وحرقوص بن زهير المعروف بذي الثدية، وكانوا في اثني عشر ألف رجل، فقاتلهم علي يوم النهروان، فما نجا منهم إلا أقل من عشرة، فر منهم اثنان إلى عمان، واثنان إلى كرمان، واثنان إلى سجستان، واثنان إلى الجزيرة، وواحد إلى موزان، فظهرت بدع الخوارج في هذه المواضع.
وأول من بويع منهم بالخلافة عبد الله بن وهب الراسبي، فتبرأ من الحكمين، وممن رضي بهما، وكفر هو ومن بايعه عليا لتحكيمه الرجال ورضاه بذلك.
ثانيا: الفرق التي تشعبت من الخوارج
الأزارقة: هم جماعة من الخوارج ينسبون إلى أبي راشد نافع بن الأزرق، خرج آخر أيام يزيد بن معاوية، ومات سنة ٦٥ هـ، وبايع الأزارقة بعد موته قطري بن الفجاءة، وسموه بأمير المؤمنين، ومن بدعهم تصويب قاتل علي عبد الرحمن بن ملجم، وفي ذلك يقول عمران بن حطان مفتي الخوارج:
يا ضربة من منيب ما أراد ... بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوما فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا
ومنها تكفير من قعد عن الجهاد معهم، وتكفير من لم يهاجر إليهم، وإسقاط الرجم لعدم وجوده في القرآن، وإسقاط الحد عمن قذف المحصنين دون المحصنات، وعدم جواز التقية في قول أو عمل، وإباحة قتل أطفال المخالفين لهم ونسائهم، وعدم أداء الأمانة لمن خالفهم.