وكذلك تدبر السنن الكونية التي بثها الله عز وجل في خلقه عبادة، فبعد قيام هؤلاء العباد بهذا التفكر وهذا التدبر واعترافهم أن الله ما خلق هذا كله باطلا بل خلقه بالحق وللحكم الكثيرة التي يعلمها، بعد هذا التدبر وهذا التفكر وهذا الاعتراف، سألوا الله عز وجل أن يقيهم عذاب النار {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} الفاء في فقنا تدل على ترتيب الدعاء ودوام ذكره على كل حال وتنزيه الله أن يخلق خلقا باطلا هذا نوع من التوسل بالعمل الصالح وهو مشروع.
ومن هذا التوسل أيضا ما ذكره الله سبحانه بعد ذلك في نفس سياق هذه الآيات السابقة في قول أولي الألباب {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} .
وهذا المنادي للإيمان هو الرسول صلى الله عليه وسلم وكل من بلغ عن الرسول صلى الله عليه وسلم فلما سمع هؤلاء المؤمنون منادي الإيمان يدعو الناس هلموا إلى ربكم، هلموا إلى توحيد الله ونبذ الشرك، هلموا إلى طاعة الله وترك عصيانه ومخالفته، لما سمعوا منادي الله أن اعبدوا الله فعبدوه ونبذوا كل الشركاء والأنداد، فكان بعد هذا العمل الصالح طلب وتوسل من هؤلاء المؤمنين وهو {فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} .
توسلوا إلى الله بإيمانهم واتباعهم الرسول فدعوا ربهم بعدة دعوات: مغفرة الذنوب، وتكفير السيئات وطلبوا من الله أن يختم لهم بالخاتمة الحسنى، وأن يجعل مثواهم مع الأبرار، وسألوا الله عز وجل ألا يخزيهم وألا يفضحهم بين خلقه يوم القيامة، وسألوا الله أن ينجز لهم ما وعدهم على الإيمان على ألسنة رسله من النصر والتأييد في الدنيا وحسن العاقبة والمثوى في الآخرة فعقب الله عز وجل على هذا التوسل بالأعمال الصالحة بقوله:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} .