ولا شهد مكرهم به، ولا كيدهم له فيتهم بأنه تكلم بأمر شهده أو انتشر بين قومه، قال تعالى لنبيه محمد في ختام قصة يوسف عليه الصلاة والسلام:{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} .
ولا يسع أحدا أن يقول إنه عرف تفاصيل القصة من اليهود، فإن السورة مكية، واليهود كانوا يعيشون بالشام والمدينة وما حولها، ولم يعرف عنه أنه اتصل بهم قبل الهجرة، ولا دارسهم شيئا من العلوم، ولو كان تم شيء من ذلك لانكشف أمره لطول العهد وكثرة الخصوم وحرج قومه من دعوته، وسعيهم جهدهم في الكيد له والصد عنه وحرصهم على تشويه سمعته والقضاء عليه وعلى دعوته حتى رموه بالسحر والكهانة والجنون، واتهموه زورا بالكذب، وهو في قرارة أنفسهم الصادق الأمين، وتبادلوا الرأي فيما يوقعونه من حبسه أو طرده من بينهم وتشريده، وانتهى أمرهم بالاتفاق على قتله، فأنجاه الله من كيدهم، وكتب له الهجرة إلى المدينة حيث عز الإسلام وقامت دولته، قال تعالى:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} ، فقوم هذا شأنهم معه لا يخفى عليهم أمره وهو يعيش بين أظهرهم وهو له بالمرصاد، فلو وجدوا سبيلا عليه باتصاله باليهود والأخذ عنهم لسارعوا إلى فضيحته، والتشنيع عليه بذلك ولم يضطروا إلى الافتراء عليه، ولا إلى التفكير في قتله أو تشريده ولا إلى نشوب الحرب بينه وبينهم سنين طويلة ولم يلجئوا إلى اتهامه تهمة تحمل ردها في طيها، فقد اتهموه برجل أعجمي بمكة وادعوا أنه يعلمه، فسفه الله أحلامهم وألقمهم الحجر، قال تعالى:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} .