للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يصلح حاله في عاجله وآجله {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} .

إنما يستنكر ذلك من البشر ونحوهم من المخلوقات؛ لأن أفكارهم محدودة ومداركهم قاصرة، مع استيلاء الهوى عليهم وتمكن العصبية منهم، إلى غير ذلك مما يوجب كثرة اللغط في آرائهم والاضطراب والتناقض في مذاهبهم، في أصول التشريع وفروعه عن قصد وغير قصد، وخاصة تفاصيل التوحيد والمعاد والعبادات والمعاملات، قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} .

ولما كانت الأمم الماضية تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي وكان الوحي مستمرا، جرت فيهم سنة التطور في التشريع والتدريج في الأحكام، وكان الكثير من التفاصيل وفروع الشريعة مؤقتا، فنسخت الشريعة اللاحقة من أحكام الشريعة السابقة ما اقتضت المصلحة نسخه تنشئة للأمة وتربية لها وسدا لحاجتها، أو عقوبة لها على ظلمها وتمردها على شرائع ربها، قال تعالى -في رسالة عيسى عليه الصلاة والسلام-: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} ، وقال تعالى في محمد عليه الصلاة والسلام: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} الذين {يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .

<<  <   >  >>