للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة، ولا يضير الدعاة إليه أن عدل عن الصراط المستقيم من انحرف مزاجه أو غلبته شهوته فخشي أن تحد الشريعة من نزعاته الخبيثة، وتحول دون نزواته الدنيئة، أو أطغاه كبره وسلطانه، وخاف أن تذهب الشريعة بزعامته الكاذبة، وسلطانه الجائر، فوقف في سبيلها، وصد عنها، ولج في خصامها بغيا وعدوانا، فإن الله ناصر دينه ومؤيد رسله وأولياءه {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} ، {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} ، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} .

يحكى عن أبي حنيفة رحمه الله أن جماعة من أهل الكلام أرادوا البحث معه في تقرير الربوبية، فقال لهم: أخبروني قبل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة، تذهب فتمتلئ من الطعام والمتاع وغيرهما بنفسها، وتعود بنفسها فترسو بنفسها، وتفرغ وترجع، كل ذلك من غير أن يديرها أحد؟ فقالوا: هذا محال لا يكون أبدا، فقال لهم: إذا كان هذا محالا في سفينة، فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله؟ !!

وقد قال مثل هذه المقالة جماعة من العلماء، وقولهم ليس حجة لصدوره عنهم، بل لصحته في ذاته، وشهادة الواقع له.

إقرار المكلفين حتى المشركين بتفرد الله بالخلق والملك والتدبير وشهادة الفطرة بذلك

شهدت الفطرة بأن الله وحده خالق كل شيء ومليكه، وإليه يرجع الأمر كله من التصريف والتدبير، فهو الذي يحي ويميت، وهو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وهو الذي يرسل الرسل، ويشرع الشرائع ليحق الحق بكلماته ويقيم

<<  <   >  >>