للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وقال أبو عبد الله محمد ابن القيم رحمه الله: المثال السادس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - منع الحائض من الطواف بالبيت حتي تطهر. وقال لها: (اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت) فظن أن هذا حكم عام في جميع الأحوال والأزمان، ولم يفرق بين حال القدرة والعجز ولا بين زمن إمكان الاحتباس لها حتى تطهر وتطوف، وبين الزمن الذي لا يمكن فيه ذلك وتمسك بظاهر النص ورأى منافاة الحيض للطواف كمنافاته للصلاة والصيام إذ نهى الحائض عن الجميع سواء ومنافاة الحيض لعبادة الطواف كمنافاته لعبادة الصلاة، ونازعهم في ذلك فريقان أحدهما صححوا الطواف مع الحيض ولم يجعلوا الحيض مانعاً من صحته بل جعلوا الطهارة واجبة تجبر بالدم ويصح الطواف بدونها كما يقول أبو حنيفة وأصحابه وأحمد في إحدى الروايتين عنه وهي أنصهما عنه وهؤلاء لم يجعلوا ارتباط الطهارة بالطواف كارتباطها بالصلاة ارتباط الشرط بالمشروط بل جعلوها واجباً من واجباته وارتباطها به كارتباط واجبات الحج به يصح فعله مع الإخلال بها ويجبرها بالدم.
والفريق الثاني جعلوا وجوب الطهارة للطواف واشتراطها بمنزلة وجوب السترة واشتراطها بل وبمنزلة سائر شروط الصلاة أو واجباتها التي تجب وتشترط مع القدرة وتسقط مع العجز قالوا: وليس اشتراط الطهارة للطواف أو وجوبها له بأعظم من اشتراطها للصلاة، فإذا سقطت بالعجز عنها فسقوطها في الطواف بالعجز عنها أولى وأحرى، قالوا: وقد كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين يحتبس أمراء الحج للحيض حتى يطهرن ويطفن، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأن صفية وقد حاضت: "أحابستنا هي؟ " قالوا: إنها قد أفاضت، قال: (فلتنفر إذا) وحينئذ كانت الطهارة مقدورة لها، أما في هذه الأزمان التي يتعذر إقامة الركب لأجل الحيض فلا تخلو من ثمانية أقسام:
(أحدها): أن يقال لها: أقيمي بمكة وإنْ رَحَلَ الركب حتى تطهري وتطوفي، وفي هذا من الفساد وتعريضها للمقام وحدها في بلد الغربة مع لحوق غاية الضرر لها ما فيه.
(الثاني): أنْ يقال: يسقط طواف الإفاضة للعجز عن شرطه.
(الثالث): أنْ يقال: إذا علمت أو خشيت مجيء الحيض في وقته جاز لها تقديمه في وقته.
(الرابع): أن يقال: إذا كانت تعلم بالعادة أن حيضها يأتي في أيام الحج وأنها إذا حجت أصابها الحيض هناك سقط عنها فرضه حتى تصير آيسة وينقطع حيضها بالكلية. =

<<  <   >  >>