للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فرع): ومما عَمَّتْ به البَلْوى غَلَبةُ النَّجاسَةِ فِي موضع الطَّوَافِ مِنْ جهةِ الطيْرِ وغيرِهِ وقد اخْتَارَ جَمَاعَةٌ من أصْحَابِنَا المُتَأخرينَ المُحَققينَ المُطَّلعين أنهُ يُعْفَى عَنْهَا وَيَنْبَغِي أنْ يقالَ: يُعْفَى عَمّا يشَق الاحْترازُ عنه (١) من ذلك كما عُفي عن دمِ القَمل والْبَرَاغيثِ والبق وَوَنيمِ الذُّبَابِ وهو رَوْثُهُ وكما عُفِي عن الأثَر الْبَاقي بعد الاستِنجاء بالحجر وكما عُفِي عن القَليل من طين الشَّوارعِ الذي تَيقنَّا نجاسَتَهُ وكما عفي عن النجاسةِ التي لم يدركها الطَّرْفُ في الماءِ والثوب على المذْهَبِ المُخْتَارِ (٢) ونَظَائرُ ما أشَرْتُ إليه أكثَرُ من أن تُحْصَرَ وَمَوْضعُهَا في كُتبِ الفقهِ وقد سُئلَ السَّيِّدُ الجَليلُ المتفقُ على جَلاَلتهِ وأمَانته وورَعِهِ (٣) وزَهَادَتِه واطّلاَعِهِ على الفقهِ وهو الشّيْخُ أبو زَيْد المَرْوَزيُّ إمام أصْحَابِنَا الْخَرَاسانِيّين عن مَسْئَلة من هذا النَحْوِ فقالَ بالْعَفْوِ وقال الأمْرُ إذا ضَاقَ اتَّسَعَ كأنَّهُ مُسْتَمد من قَوْلِ اللهِ عَزّ وَجَلَّ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] ولأنَّ مَحَل الطَّوَافِ في زَمَن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحَابِهِ رضي الله عنهم ومَنْ بعدهم منْ


(١) أي بحيث لم يتعمد المشي عليه، ولم يجد عنه معدلاً ولم يكن ثم رطوبة، فإنْ تعمد وطأه وله غنى عن وطئه أبطل طوافه وإن قل وجَف، وإلا فلا لكن الرطب يضر مطلقاً حتى مع النسيان وعدم المندوحة.
قال الشمس الرملي رحمه الله تعالى: ومما شاهدته مما يجب إنكاره ما يفعله الفراشون بالمطاف من تطهير ذرق الطير بمسحه بخرقة مبتلة بل يصير غير معفو عنه. قال العلامة ابن علان رحمه الله تعالى: قد ذكرت ذلك للفراشين ولشيخ الحرم وما حصل منهم اعتناء فيعفى عنه لغلبة الجهل وعموم البلوى. اهـ عمدة الأبرار.
(٢) أي ولو كانت النجاسة من مغلظ. وجرى عليه المحقق محمد الرملي رحمه الله وقال المحقق ابن حجر المكي رحمه الله: إذا كانت النجاسة من غير مغلظ وليس لفعله مدخل.
(٣) الورع: هو ترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس. وقيل: هو ترك ما فوق الحاجة من الأغراض.

<<  <   >  >>