للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مأمنه إلا ما أعده من مال ومركوب، وإلا ما ادَّخره من زاد ومزاد فهو يشبه من يفارق دنياه وحيداً فريداً لا أهل ولا مال، ولا زاد أو مزاد يؤانس في وحشته، إلا ما ادَّخره من عمل صالح وإلا ما سعى إليه من كل مناحي البر وأوجه الخير، ومثل ذلك تجرده عن المخيط كتجرده عن ثيابه للغسل عند الموت، وفيه إشارة إلى الإِعراض عن الترفه والزينة (١)، وكون الحاج أشعث أغبر يشبه خروجه من القبر إلى المحشر حيران لهفان مندهشاً ينفض عنه غباره، وفي تلبيته إجابته لنداء ربه الذي استدعاه على لسان أبيه إبراهيم عليه السلام، وامتثال أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - الذي أجاب حينما سئل أي الحج أفضل؟ فقال:"العج والثج" (٢) ووقوف الحجيج في عرفات كوقوفهم في عرصات القيامة آملين راغبين راجين وهم بين شقي وسعيد ومقبول ومخذول، وتعرضهم للهاجرة وحَمارّة القيظ في عرفات كتعرضهم للفح الشمس وغمرة العرق في المحشر، وإفاضتهم من عرفات كانفضاضهم من الموقف في القيامة بعد الفصل والقضاء، ولبثهم في مزدلفة ومنى كلبث المذنبين وانتظارهم لشفاعة الشافعين (٣)، ورميهم الجمار تذكرهم لقصة أبيهم إبراهيم عليه السلام مع الشيطان الرجيم والتشبه به (٤)، والاقتداء بنيهم محمد - صلى الله عليه وسلم - وذبحهم الأضاحي


(١) أي فيتحقق في الحج التشعث والتغبر لله لما جاء في الحديث: "الحاج أشعث أغبر".
(٢) العج: رفع الصوت، المراد هنا رفع الصوت بالتلبية، والثج: سيلان الدم، والمراد هنا سيلان دم الأضاحي.
(٣) من مجلة المنهل بعض مقال للأستاذ عبد الله خياط مع تصرف بسيط.
(٤) روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: "لما أتى خليل الله المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض ثم ذكر الجمرة الثالثة كذلك".

<<  <   >  >>