فإن قيل: ما الحكمة في أن الله تعالى أمر إبراهيم عليه السلام بذبح إسماعيل عليه السلام؟ أجيب: بأن الخليل عليه السلام سأل ربه أن يهب له ولداً من الصالحين {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠)} [الصافات: ١٠٠] فأجاب الله دعاءه ووهبه الولد على كبره وشيخوخته، ففرح به وأخذ الولد منزلته من قلبه فأراد الله أن يحفظ على إبراهيم مقام الخلة الخطيرة الشأن وأن يطهر قلبه من التعلق بغيره تعالى وأن يظهر للناس بقاءه على مقام الخلة فأمره بذبح هذا الولد الذي أخذ شعبة من قلبه ليخلص هذا القلب السليم الطاهر لربه، وليكون حقيقاً بهذه المنحة العظمى والنعمة الكبرى نعمة الخلة لله عز وجل كما قال تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (١٢٥)} [النساء: ١٢٥] فبادر الخليل عليه السلام وامتثل أمر ربه وشرع في وسائل الذبح ومقدماته {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣)} [الصافات: ١٠٣] ووقع ما أراد الله وهو تحقيق العزم الصادق من الخليل وناداه سبحانه بقوله: {يَا إِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (١٠٦)} [الصافات: ١٠٣ - ١٠٦] وفدى الله إسماعيل بكبش من الجنة يذبح مكانه {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧)} [الصافات: ١٠٧] وجعل هذه الشعيرة سنة باقية في عقب إبراهيم وأتباعه يذبحون أيام النحر ويجدون ذكرى هذا الذبح العظيم ويضحون في سبيل الله ما يشترونه بحرّ أموالهم.