للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورَمَلهم (١) واضطباعهم في الطواف تذكير لقلوبهم بهدي الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -، والاقتداء بفعله ليكونوا على شيء من صبره وعزمه وجلده وتذكرة بنشأة الإِسلام في عهده الأول، وسعيهم بين الصفا والمروة تذكير بحال إسماعيل وأمه هاجر عليهما السلام، حين تركهما الخليل عليه الصلاة والسلام في رعاية ربّ العالمين، ففاضت زمزم بماء البركة وعم الخير واتسع العمران.

وحلقهم أو تقصيرهم لشعورهم طريق لخروجهم من الإِحرام والتحرر


(١) الرمل: ويسمى الخبب وهو المشي بسرعة مع تقارب الخطا بهمة ونشاط، والاضطباع: وهو كشف المنكب الأيمن، بجعل جانب الرداء الأيمن تحت الإبط وطرحه على المنكب الأيسر، هذا الرمل وهذا الاضطباع هما من الهدي النبوي الذي فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وأشار على الصحابة به في طوافهم بالكعبة في عمرة القضاء التي كانت في ذي القعدة من العام السابع، وقد أراد - صلى الله عليه وسلم - أن يرد بهذا الهدي على المشركين ويكبتهم به ويجعله تكذيباً عملياً لهم، لما بلغه أنهم يستضعفون صحابته رضوان الله عليهم ويهزءون بقوتهم ويهونون من أمرهم ويقولون: إنهم مرضى ضعفاء نهكتهم حمى يثرب، فأخذ عليه الصلاة والسلام يشجع أصحابه ويقول لهم: "رحم الله امرءاً أراهم اليوم من نفسه قوة" فأراهم عليه الصلاة والسلام من نفسه ومن أصحابه بالرمل والاضطباع جلداً قوياً وعزماً وإيماناً وعزة يجب أن تكون محل الأسوة ومضرب الأمثال.
فان قيل: كان الرمل والاضطباع في الطواف من الرسول عليه الصلاة والسلام ومن أصحابه رضوان الله تعالى عليهم لذلك المعنى الخاص الذي انتهى بانتهاء وقته وتمام الغرض منه.
أجيب: بأنهما صفحة تاريخية إسلامية يجب المحافظة عليها وتكرارها عملياً في الطواف تذكيراً للقلوب بهدي رسولها - صلى الله عليه وسلم -، ومحافظة على متابعة سلفنا الصالح، وقد خطر لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن يترك الرمل في الطواف، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله لسبب عارض فزال ثم بدا له رضي الله تعالى عنه فمضى عليه ولم يتركه محافظة على فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -.

<<  <   >  >>