للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} يقالَ لَهَا الحاطِمَةُ لِحَطْمِهَا الْمُلْحِدَ، وَيقالُ لَهَا الْعُرُشُ (١)، وَيقالُ لَهَا كُوثَى (٢). فَهَذِهِ سِتّة عَشَرَ اسْماً وَقَدْ أوْضَحْتُهَا في كِتَابِ تَهْذِيبِ الأَسْمَاءِ وَاللغَاتِ وَأَتيْتُ هُنَا بِمَقَاصِدِهَا.

وَاعْلَمْ أنَّ كَثْرَة الأَسْمَاءِ تَدُلُّ عَلَى عِظَمِ الْمُسَمَّى كمَا فِي أَسْمَاءِ الله تَعَالَى وَأَسْمَاءِ رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلاَ يُعْرَفُ بَلَدٌ مِنَ الْبِلاَدِ أكْثَرُ أسْمَاءً مِنْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لِكَوْنهِمَا أَشْرَفُ الأَرْضِ وَالله أَعْلَمُ.

قَالَ جَمَاعَة مِنَ الْعُلَمَاءِ بكّةَ وَمَكةَ بِمَعْنى وَاحِدٍ.

وَقَالَ آخَرُونَ هُمَا بِمَعْنَيين واخْتَلَفُوا عَلَى هَنا، فَقِيْلَ مَكَّةُ بالْمِيمِ الْحَرَمُ كُلهُ وَبكَّةُ الْمَسْجِدُ خاصَّةً، قَالَهُ الزُّهْرِيُّ وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ. وَقِيلَ مَكَّةُ اسْمٌ لِلْبَلَدِ وَبَكَّةُ بِالْبَاءِ الْبَيْتُ وَمَوْضِعُ الطَّوَافِ وَقِيلَ بَلِ الْبَيْتُ خَاصَّةً، قَالَهُ النَّخَعِي وَغَيْرُهُ، سُميت بَكّة لازْدِحَامِ النَّاسِ بِهَا يبكُّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً أيْ يَدْفَعُهُ في زَحْمَةِ الطَّوَافِ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: سُمِّيتْ بَكَّةَ لأَنَّهَا تبك أَعْنَاقَ الجَبَابِرَةِ إِذَا ألْحَدُوا فِيهَا أَيْ تَدُقهَا أيْ وَالْبَك الدق وَأَمَّا مَكَّةُ بِالمِيمِ فَقَالَ الأَصْمَعِي وَغَيْرُهُ هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلهِمْ تمككْتُ الشَّيْءَ إذَا استَخْرجْتُهُ لأَنهَا تَمُك الْفَاجِرَ عَنْهَا وَتُخْرِجُهُ مِنْهَا، وَقِيلَ لأَنَّها تَمُك الذُّنُوبَ أيْ تُذْصبُهَا وَقِيلَ لِقِلَّةِ مَائِهَا مِنْ قَوْلهِمْ امْتَكَّ الْفَصِيل ضَرْعَ أمِّه إذَا امْتَصَّهُ.

قَالَ الماوَرْدِيُّ: لَمْ تكُنْ مَكَّةُ ذَاتَ مَنَازِلَ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ بَعْدَ جُرْهُم


(١) بضم العين والراء وفتح العين مع سكون الراء.
(٢) بضم الكاف وفتح التاء.

<<  <   >  >>