للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طريق لمعرفة أحكام الله -تَعَالَى- التي هي راجعة إلى أمره ونهيه، ولا يُعرف شيء منها إلا من جهة الرسل، فمن قال: إن هناك طريقًا أخرى يُعرف بها أمره ونهيه غير الرسل؛ حيث يُسْتَغْنَى عن الرسل- فهو كافر يُقتل ولا يُسْتَتَابُ، ولا يُحتاج معه إلى سؤال وجواب، ثم هو قول بإثبات أنبياء بعد نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ الذي قد جَعَلَهُ اللَّه خاتَمَ أنبيائه ورسله، فلا نبي بعده ولا رسول".

وبيان ذلك أن من قال: يأخذ عن قلبه، وأن ما يقع فيه حكم الله -تَعَالَى-، وأنه يعمل بمقتضاه، وأنه لا يحْتَاجُ مع ذلك إلى كتاب ولا سنة، فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة؛ فإن هذا نحو ما قاله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفَثَ في رُوعِي" الحديث (١). انتهى من "تفسير القرطبي".

وما ذكره في كلام شيخه المذكور من أن الزنديق لا يُسْتَتَابُ هو مذهب مالك ومن وافقه، وقد بيَّنَا أقوال العلماء في ذلك وأدلتهم، وما يُرجِّحُهُ الدليل في كتابنا "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" في سورة "آل عمران" (٢)، وما يسْتَدِلُّ به بعض الجهلة ممن يدعي التصوف على اعتبار الإلهام من ظواهر بعض النصوص؛ كحديث: "اسْتَفْتِ قلْبَكَ، وإنْ أفْتَاكَ النَّاسُ، وأفْتَوْكَ" (٣)، لا دليل


(١) تقدم تخريجه ص (١٦٩).
(٢) "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" ص (٦٣ - ٦٦) ملحق بالمجلد الأخير من "تتمة أضواء البيان".
(٣) انظر شرحه وافيًا في "الاعتصام" للشاطبي (٢/ ١٥٣ - ١٦٣)، واستفتاء القلب إنما يكون في الواقعة التي تتعارض فيها الأدلة، وقال الغزالي -غفر الله له-:
"واستفتاء القلب إنما هو حيث أباح المفتي، أما حيث حَرَّم فيجب الامتناع، ثم إنه لا يُعَوَّل على كل قلب، فرب موسوس ينفي كل شيء، ورب مساهل ينظر إلى كل شيء، فلا اعتبار بهذين القلبين، وإنما الاعتبار بقلب العالِم الموفَّق المراقب لدقائق الأحوال، فهو المِحَك الذي تُمتحن به حقائق الصدر، وما أعزَّ هذا القلب! ". اهـ. نقله عنه في "البحر المحيط" (٦/ ١٠٥)، وانظر: "إرشاد الفحول" ص (٢٣٢).
وقيل: إن الحديث كان لوابصة في واقعة تخصه، ووقائع الأعيان لا عموم لها، وعلى فرض عمومه فموضع هذا: فيما لا نص فيه، ولا حجة شرعية، وإلا وجب اتباع الشرع لعموم الأدلة في ذلك، وانظر: "فيض القدير" (١/ ٤٩٥).

<<  <   >  >>