ولكن نظير جيد اعتاد من بداياته على مسلك وأسلوب في الحياه انفرد به .. وتشبع به كل كيانه حتَّى أصبح هذا المسلك أهم سمات شخصيته الذي يعرف به .. اختار أن يمحو من ذاكرته كل ذكرى طيبه قد تحمله يومًا ما امتنان أو شكر لمن قدمها له .. تعلم أن يدهس بقدمه على كل ذكرى لإنسان أحسن إليه بالمعاملة وأن يقدم مصلحته الشخصية على أي ولاء أو عرفان بالجميل وأن يقابل الإحسان بالاساءة إذا تطلبت منه المصلحة ذلك ..
تعلم أن يضع أهدافه واضحه أمامه وأن يتجاهل ما عداها من مشاعر إنسانية قد يخسر بسببها الكثير من الطموحات الَّتِي يحلم بها
تعلم أن يخفي قسوة مشاعره وقناعاته وأسراره في اعماق وأغوار نفسه وأن يغطيها بستار من المشاعر الزائفة ويخرجها في التوقيت الملائم له ..
لم يكن لليتم يدا في هذا المسلك الغريب والمشين الذي اعتاد عليه .. فامثاله من اليتامى مئات الالوف .. بل وملايين .. وكانوا أكثر الناس قدرة على اقتناص كل إيجابيات الحياه واقدرهم وأكثرهم اشتياقا للحياه الأسرية وأبرعهم واروعهم كآباء وأمهات .. ولكن نظير جيد اعتاد من الصغر على خيالات مريضة رسمت له طموحات وأهداف أبعد من دور أب في أسرة صغيرة ..
مضت رحلة نظير جيد في طفولته (شنودة الثالث حاليا بابا الأقباط النصارى) من الصعيد للإقامة مع اخيه بدمنهور ثم الانتقال إلى القاهرة وتولى اخوه رعايته وتعليمه حيث ألحقه بمدرسة الإيمان الثانوية بشبرا ثم انتقل منها لمدرسة راغب مرجان الثانوية بالفجالة حيث التحق بالقسم الأدبي .. وتمثل فترة المراهقة والصبا أخطر المراحل في حياة نظير جيد والَّتِي كانت بداية ونشأة أفكاره العنصرية ..
فقد انبهر بأفكار رهبان الجماعة القبطية المطرودين من الأديرة والذين عوقبوا من قبل مطارنة الكنيسة .. وكانت أخبارهم تتسرب إلى الأقباط النصارى من خلال زيارات الأسر للأديرة وتحذيرات آباء الكنيسة للأقباط ونصائحهم لرعاياهم بالابتعاد عن أفكار تلك الجماعة الهدامة المخالفة لتعاليم الكنيسة .. والَّتِي كانت تتوافق مع طموحات نظير جيد طالب الثانوية الذي انبهر بتلك النزعات العدوانية الانتقامية الَّتِي تنفس عن الكثير مما يجيش بصدره من ترسبات ماضي ليس ببعيد من مولده إلى التحاقه بالتعليم الثانوي .. طمس منها كل ذكرياته الحلوة واحتفظ بمرارتها ..