كل ذلك يعني أن الله لما خلقنا لعبادته وأمرنا بها لم يتركنا لأهوائنا نفعل ما نشاء كما نريد بزعم عبادته، وإنما افترض علينا فرائض وشرع لنا شرائع وسن لنا نوافل أوجب علينا الالتزام بها، وأخبرنا أنه لا سبيل إلى الوصول إليه إلا عن طريقها وشرط لها شروطًا، فقال - سبحانه وتعالى -: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف: ١١٠].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن عَمِلَ عَمَلًا لَيسَ عَلَيهِ أَمْرُنَا؛ فَهُوَ رَدَّ (صحيح البخاري: ٢٥٥٠).
واعلم رابعًا: أنه لما كان الله هو الآمر - سبحانه وتعالى - وهو المراد، فإذا كان الصادق المخلص مطيعًا، فإنه لا يفتئت على الشرع، ولا يبتكر في الطاعة، بل يؤدي ما أمر به على الوجه الذي
شرع له، وينتظر الأجر الذي وعد به، فالعبد عبد، والرب رب.
ثم اعلم خامسًا: أن الله - سبحانه وتعالى - أعلم بما يصلح عباده فهو أعلم جل جلاله بمراده، وهو أعلم سبحانه بعباده؛ فبين لهم مراده، ولما شرع لهم الشرائع وفرض عليهم الفرائض أعانهم بتيسيره وكرمه سبحانه على فعلها، وشرعها لهم على أحسن الكمالات وأكمل الهيئات، وأفضل الحالات.