للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروى هذه القصة أيضًا أبو القاسم القشيري عن أبي عبد الله السلمي قال: سمعت محمد بن عبيد الله بن شاذان يقول: سمعت أبا بكر النهاوندي يقول: سمعت عليًّا السائح يقول: سمعت أبا الحارث الأولاسي يقول: رأيت إبليس اللعين في المنام على بعض سطوح أولاس، وأنا على سطح وعلى يمينه جماعة وعلى يساره جماعة وعليهم شباب لطاف، فقال لطائفة منهم: قولوا شيئًا، فقالوا: غنوا فاستفزعتني [ق ٦٤ / ب] طيّبة حتى هممت أن أطرح نفسي من أنسها، ثم قال: ارقصوا فرقصوا أطيب ما يكون، ثم قال لي: يا أبا الحارث! ما أصبت شيئًا أدخلُ به عليكم إلا هذه" (١). ألا وقد رويتُ هذا المنام بالإسناد؛ لأنه رواه الصوفية من المشايخ والفقراء ولو رواه من ينكر السماع والرقص لتطرّقت عليه التّهمة، وأبو الحارث ممّن أراد الله عز وجل هدايته. وقد روي ما يؤيّد هذا أنّ إبليس اللّعين يبدو لجماعة من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، فأخبرهم بطرقٍ يدخل بها على الخلق، وذلك تسخير من الله عز وجل إلا فحسب أقوام ضلالة أن يتبعوا طرق الشيطان التي يدخل بها على الخلق، وقد رأى بعض الصالحين سيّدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم في المنام فذم ما يضع هؤلاء القوم ونورده، وإن كان منامًا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَقَدْ رَآنِي حقًّا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ بِي" (٢)، وفي لفظ قال: "لا يتشبه بي" (٣). ويروى بالإسناد أن أبا الحسن جميل بن نجيح الخروجي رضي الله عنه، وكان كثيرًا مما يرى النبي عليه السلام في المنام أنّه تمارى هو وقوم [ق ٦٥ /أ] في القضيب والرقص، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم من ليلة، فقال له في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ} [الأحزاب: ٢١].


(١) ذكره القشيري في "الرسالة القشيرية" (٢/ ٥١٩)، وابن عساكر في "ذم الملاهي" (٤٩/ ٣٠)، وابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص/٢٢٣).
(٢) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٩/ ٣٣) (٦٩٩٣)، ومسلم في "صحيحه" (٤/ ١٧٧٥) (٢٢٦٦) من حديث أبي هريرة بنحوه.
(٣) إسناده حسن - أخرجه أحمد في "المسند" (١٢/ ٥١٣) (٧٥٥٣)، والبزار في "المسند" (١٤/ ٣٠٧) (٧٩٣٦)، وابن حبان في "صحيحه" (١٣/ ٤١٧) (٦٠٥٢)، وغيرهم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به، وإسناده حسن من أجل محمد بن عمرو، قال عنه في "التقريب": "صدوق له أوهام".

<<  <   >  >>