وهي محرّمة في حقّ النبي عليه السلام [ق ٨٤ /أ] خاصّة ومباح لغيره سماعها، وليس ذلك كما زعم بجهله وتأوّل بقلة عقله؛ لأنه غفل عن الحقّ، ونزل عن درجة الصدق، وتعدى عن الأخذ بالجزم وأخطأ بهذا التأويل البعيد الذي لم يقله أحد من أهل التقليد والتوحيد، وإنّما قال ذلك من حادّ الله ورسوله ولم يخش يوم الوعيد، وإنّما جاز لنافع ولمولاه ابن عمر ولمن فعل مثل فعلهما سماع شبابة لأجل الضرورة؛ لأن عمر رضي الله عنه عدل عن طريقه التي قصد إليها وسدّ مسامعه عن سماعها، فاحتاج أن يعلم بانقطاع الصوت المحرّم عليه سماعه؛ ليرجع إلى طريقه [و] يكشف عن سمعه؛ لأنه قد كان ترك طريقه التي هو ذاهب فيها وسدّ مسامعه، ولم يمكنه أن يعلم ذلك، فرخّص لمولاه نافعًا أن يسمع ويخبره، وهذه الحال حال ضرورة، وعند الضرورة يباح المحظور المحرّم، والدليل على ذلك أن النّظر إلى العورة من الإنسان محرّم، ثم عند الضرورة يباح للطبيب والخاتن أن ينظر إلى العورة، وكذلك أنّ شك في إنبات الغلام والجارية وبلوغها جاز أن ينظر إلى عورتهما، ومثل ذلك كثير يباح عند الضرورات استعماله مثل مداواة الرجل للمرأة الأجنبيّة إذا كان لها مرض يخاف [ق ٨٤ / ب] عليها التلف منه، فله أن ينظر إلى جسدها وشعرها ومثل أن يشق خراجة تكون بها ويحسّ جسدها لقطع العرق، ومثل إذا غصّ الرجل عند الأكل باللقمة ولم يكن عنده ما يسيغها به وجد شرابًا محرّمًا شُربه له أن يشرب ما يسيغ به لقمته ولا شيء عليه؛ لأنه يرفع به عن نفسه التلف، وكذلك هاهنا إذا ابتلي إنسان بمثل ذلك في طريق سواها جاز له أن يفعل كما فعل نافع، وكما فعل مولاه ابن عمر رضي الله عنه، وأمّا أن يقعد إلى سماع ذلك وهو مندوب إلى تركه، فلا، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"بعثت بمحو المزامير وكسرها"(١)،
(١) ضعيف جدا - أخرجه وأبو بكر الشافعي في "الغيلانيات" (ص/١٢٩) (٨٤)، والآجري في "تحريم النرد" (ص/١٩٤) (٥٩)، وغيرهما من طريق عبد الله بن محمد بن ناجية , حدثنا عباد بن يعقوب , حدثنا موسى بن عمير عن جعفر بن محمد , عن أبيه , عن جده , عن علي بن أبي طالب , رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت بكسر المزامير والمعازف , وأقسم ربي عز وجل , لا يشرب عبد في الدنيا خمرا إلا سقاه الله يوم القيامة حميما معذبا أو مغفورا له» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كسب المغنية والمغني حرام وكسب الزانية سحت وحق على الله عز وجل ألا يدخل الجنة لحم نبت من سحت "وإسناده ضعيف جدا فيه موسى بن عمير قال عنه في "التقريب": "متروك وقد كذبه أبو حاتم"، ورواه ابن عدي في "الكامل" (٧/ ٣١٧) من طريق عبد الله بن محمد ناجية، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا محمد بن الفرات، عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم بعثني ربي عز وجل بمحق المزامير والمعازف والأوثان التي كانت تعبد في الجاهلية ... الحديث"، وفيه محمد بن الفرات قال عنه الذهبي في "الكاشف": "كذبه أحمد"، وقال عنه ابن حجر: "كذبوه" وشيخه هو السبيعي يدلس وقد عنعنه، وشيخه هو الأعور قال عنه في "التقريب": " فى حديثه ضعف، كذبه الشعبى فى رأيه، و رمى بالرفض".