للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمّا قول المتأوّل إنما التحريم في حق النبي عليه السلام خاصّته، فأخطأ في قول ذلك أيضًا وحادّ عن الحقّ؛ لأن النبي عليه السلام لم يخّص بتحريم شيء دون أمّته، فإذا حرمه الله تعالى أشياء ونهاه عنه فهو عام في حقّه، وفي حقّ أمته وإنّما خصّه الله تعالى بأشياء في العبادات مثل قيام الليل، والسواك، والوتر، والوصال في الصوم، وغير ذلك ممّا نقل عنه، فأمّا التحريم في استماع الزمر والشبابة فلا يجوز أن يقال خاصًّا في حقّ النبيّ عليه السلام، بل هو عامّ له ولأمته في تحريمه، فأمّا رجل [ق ٨٥ /أ] يدّعي الصلاح والزهد مجاهدًا لنفسه قد حبسها في رباط منعزل عن المخالطة والاجتماع بالناس يزعم بجهله أن سماع الشبابة وما يجري مجراها من صوت العزف الذي يعمله سفهاء الأكراد والأعاجم والفلاحين صلاحًا لقلبه ولنفسه ويتبع قول من أخطأ في تأويله بإباحته، ويعتمد عليه بل هو فساد لقلبه وشغل لنفسه عمّا أمر به من الذكر وترك اللغو وهو يعلم قطعًا يقينًا أنّه إذا ميّزت غدًا أعمال الحقّ والباطل كان الغناء والرقص والشبابة مع الباطل لا مع الحقّ، فأين يذهب عن الحق والصواب إلى ما يؤدي إلى المحق والتباب (١)؟ فما هذا من أعمال الصالحين والزهاد، ولا فعل من يخاف يوم المعاد، فأين هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد شكا إليه رجل قساوة يجدها في قلبه، فقال له: "عليك سماع القرآن وتلاوته وكثرة الذكر ودراسته" (٢)، فهل يحسن بالإنسان العاقل أن يعدل عن الذكر وسماع القرآن إلى سماع مزمار الشيطان ويتخذ ذلك قربة إلى الرحمن، بل يجب عليه أن يغلب نفسه على هواها ويصرفها عن ذلك ويقبل على ذكر الموت [ق ٨٥ / ب] ليكسرها به، ففي ذكر الموت والبعث والعرض والنشور والحساب ما يليّن


(١) أي الخسران والهلاك.
(٢) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وإنما ورد من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه قال أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك) والحديث قواه الشيخ الألباني بطرقه وشواهده وانظر "الصحيحة" (٨٥٤).

<<  <   >  >>