للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القلوب الصلاب، ويشغل النفوس عن الخوض في الترهات وتضييع الأوقات، فإن قيل: لم لم يأمر (١) النبي صلى الله عليه وسلم بكسرها ومنع الراعي عن نشرها، قيل: إنّما كان هذا في بدء الإسلام، وكان ذلك الراعي في جبل بعيد عن طريق النبي عليه السلام، وهذا كان قبل الفتح وظهور الإسلام، فلما ظهر الإسلام وانتشر وأسلم القوم [و] حرمها الله لم يعودوا [لـ]ـذلك، والدليل عليه ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم جميع أصحابه بمحو المزمار والطنبور والكوبة، وهي الطبل ومحو الصور في البيوت، ونهى عن جميع الفواحش والملاهي وكلّ ما شغل عن طاعة الله عز وجلّ لمّا ظهر الإيمان ودخل الإسلام على جميع الأعراب، فإن قيل: فإن ابن عمر رضي الله عنه قد عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم بضعًا وستين سنة، فلما [ما] كسر زمارة إذا سمعها؟ قيل له: كان سماعه ذلك في زمن الفتنة ومجيء أهل الشام إلى مكّة لقتل ابن الزبير رضي الله عنه مع الحجاج بن يوسف الثقفيّ [ق ٨٦ /أ] الفاسق، وهو كان أميرهم، وكان ابن عمر قد خرج عازمًا على الحج والعمرة وقال: إن صددت عن البيت فعلت كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ابن عمر رضي الله عنهما قد اعتزل الفتنة وما يجري من الحروب بعد قتل عثمان رضي الله عنه، فلو أنه كسر مزمار الفاسق من أهل الشام كان ذلك يؤدي إلى القتال، ففعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عند الضرورة، وليس لمن استنّ بفعل الفسّاق دليل يقول عليه ولا تأويل يرجع إليه فقد روي أن أبا عثمان النهدي رحمة الله عليه وكان من كبار التابعين قال: "ما سمعت مزمارًا ولا طنبورًا ولا صَنْجا (٢) أحسن من صوت أبي موسى رضي الله عنه إن كان ليصلّي بنا فنودّ أنه قرأ البقرة من حسن صوته" (٣)


(١) الأصل: " لم لا أمر".
(٢) الصَنْجُ الذي تعرفه العرب، وهو الذي يتَّخذ من صُفْرٍ يُضرَب أحدهما بالآخر. وأمَّا الصَنْجُ ذو الأوتار فيختصُّ به العجم. وانظر الصحاح مادة (ص ن ج).
(٣) رواه أبو بكر الشافعي في " الغيلانيات" (ص/١٩٠) (١٦٣) ..

<<  <   >  >>