فإن قال قوم فنحن نرى من أهل الرقص واستماع الأغاني والشبابات ما يشبه الكرامات [ق ٨٨ /أ] المغيّبات والمكاشفات، وما يشبه الإلهام والفراسة ويظهر ذلك منهم وممّن يأخذ صدقات الناس وأوساخهم مع القدرة على استغنائهم ومن غيرهم من أهل الحوادث والبدع، فكيف ذلك فبيّنه لنا ممّا علّمك الله تعالى من علم كتابه ومن سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم أو من أثر من آثار الصحابة رضوان الله عليهم، فأسرع إليهم بالجواب وأقوالهم. اعلموا وفّقنا الله تعالى وإيّاكم للصواب أنّ من العبّاد أو من غيرهم من يرى ضوءًا أو نورًا في السماء، فإن كان في شهر رمضان قال: رأيت ليلة القدر، وإن كان في غيره قال: قد فتحت لي أبواب السّماء، وقد يتّفق الشيء يطلبه فيظنّ أن ذلك كرامة وربّما كان كرامة، وربّما كان اختبارا وربّما كان من تلبيس إبليس ومن خدعه ومن تزيينه ومن شرّ اقتراب الساعة ومن الفتن كما قال الله تعالى {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}[البقرة: ١٤٣] معناه: ليبتليهم بذلك؛ ليعلم من يسلم لأمره، وقال عزّ وجلّ:{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[هود: ٧، والملك: ٢] وقولنا إذًا وربّما كان كرامة إنما يكون ذلك للعباد؛ إذ كان عالمًا وعاملاً بما في كتاب [ق ٨٨ / ب] الله تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم متّبعًا ما كان رسول الله وصحابته عليه، ومع ذلك لا يكون له خدن ولا صاحب ممّن استحسن شيئًا أحدث بعد الصحابة ولا ممّن استحسن مكروهًا، فمن كان هذا حاله وسيرته يحتمل أن يكون له كرامات وإلا كان من تلبيس إبليس ومن خدعه وتزيينه ومن شرّ اقتراب الساعة، ومن الفتن والشبهات. كما روي أن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سمع منكم بخروج الدجال فلينأى عنه ما استطاع, فإن الرجل يأتيه وهو يحسب أنه مؤمن , فما يزال به حتى يتّبعه لما يرى من الشبهات»(١)،
(١) صحيح – أخرجه أبو داود في "سننه" (٤/ ١١٦) (٤٣١٩)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (٧/ ٤٨٨) (٣٧٤٥٩)، وأحمد في "مسنده" (٣٣/ ١٠٧) (١٩٨٧٥)، والروياني في "مسنده" (١/ ١٣١) ٠١٣٣)، وغيرهم من طريق حميد بن هلال عن أبي الدهماء عن عمران به، ورواته ثقات ..