ألا وقد لعب الشيطان بأقوام من أبناء زماننا تحلّق بالفقراء وبالزهاد ولن ينتحلوا منهم حقيقة، فالله المستعان. ما أكثر التلاعب في هذا الزمان على يدي أقوام نبذوا بأهل الإيمان وليسوا فيه إلا من أهل الحرمان وأهل الزور والبهتان وأضلّهم شيخهم الذي هو رأس أهل الإثم والعدوان، فخرجوا به عن الدين، ومرقوا به عن الإسلام، وسوف يلقون بذلك الهوان، وأقول شعرا:
شقيوا بصحبتك اللئام وما أفلحوا ... وكان يفلح وجوههم قد كلحوا
في النار إذا أغديتهم عن دينهم ... شلّحتهم أثوابه فتشلّحوا
لما ضللت عن الصواب جميعهم ... ضلوا وأنت رجيم من يستصلحوا
وأبعتم دين الهدى بضلالكم ... لما سلاحات الضلال سلحوا
ما أفلحوا مذ أبصروك ولا ... رأوا أرشد أو راحوا في الضلال يمرحوا
خسروا بك الدارين يا شرّ الورى ... لما برحوا في الخسار وسرحوا
مرقوا من الدين الحنيف وفارقوا ... من في الهدى قد صالحوا من أصلحوا
وفارقوا نهج الهدى وتفرقوا ... في لجّ بحر ضلالة يستسبحوا
صحبوا لرأس جهالة فأضلهم ... عن دينهم [ق ٩٥ / ب] واستحسنوا ما أقبحوا
خسروا بصحبتهم سفيهًا جاهلاً ... جعلوه رأس ضلالهم لم يربحوا
مثل الحمار تراه فيهم صافنا (١) ... والكلب يستمعوا عواه فينبحوا
نبذو كتاب الله خلف ظهورهم ... وشريعة الهادي البشير وطرّحوا
تالله قد شقيوا بصحبة جاهل ... ما أفلحوا ما أفلحوا ما أفلحوا
وروي أن أبا عثمان النيسابوري رحمة الله عليه قال: "خرجتا جماعة مع أستاذنا أبي جعفر النيسابوري رحمة الله عليه إلى خارج نيسابور فتكلم الشيخ علينا وطابت أنفسنا، ثم نظرنا لأيّل قد نزل من الجبل حتى برك بين يدي الشيخ، فأبكاه ذلك بكاءً شديدًا، فلما سكت قلت له: يا أستاذ تكلمت علينا وطابت أنفسنا، فلما جاء هذا الوحش وبرك بين يديك أزعجك وأبكاك، فقال: نعم، رأيت اجتماعكم حولي وقد طابت أنفسكم فدار في خلدي
(١) قال صاحب القاموس المحيط: " صفن الفرس يصفن صفونا: قام على ثلاث قوائم وطرف حافر الرابعة".