للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروي أن رجلاً قام بعد صلاة العصر يتنفل في مسجد المدينة، فقال له سعيد بن المسيب رحمة الله عليه: لا تصل. فقال الرجل: أيعاقبني الله على الصلاة؟ فقال له سعيد: بل يعاقبك أو يعاتبك على مخالفة السنة في الصلاة (١)، فصار قليل العمل بمتابعة السنة خيرًا من كثيره بقبول [ق ٥ /أ] الله عز وجل له، وتضعيف أجره وهو خير من الكثير في بدعة رادّة إياه وذهاب أجره كما قال النبي عليه السلام: "كل ما ليس عليه أمرنا فهو ردّ" (٢). أي على عامله لمكان بدعته، وكما قال عليه السلام في صفة الخوارج: (سيكون (٣) أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية) (٤) وفيه: (يقرؤن القرآن لا تبلغ قراءتهم آذانهم) - أي لا ترفع في خزائن القبول، بل تردّ عليهم لمكان بدعتهم في شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم-.

وفائدة الحديث الحثّ على متابعة السنة في صالح الأعمال؛ ليعلو قدرها، ويكثر خيرها، وتجنّب البدعة والاختراع في سائر الأحوال لثنّها (٥) وسوء عاقبتها والله أعلم. وكما قال ضرار بن عمرو (٦) رضي الله عنه: (إن قومًا تركوا العلم ومجالسة أهل العلم واتخذوا محاريب فصلّوا وصاموا حتى يبس جلدهم على عظمه، ثم خالفوا السنة


(١) حسن - أخرجه الخطيب في "الفقيه والمتفقه" (١/ ٣٨١) من طريق عطاف بن خالد , عن عبد الرحمن بن حرملة , أن سعيد بن المسيب بنحوه، وإسناده حسن.
ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" (٣/ ٥٢) (٤٧٥٥)، والدارمي في "مسنده" (١/ ٤٠٤) (٤٥٠)، والبيهقي في "سننه" (٢/ ٦٥٤) من طريق أبي رباح، عن ابن المسيب بنحوه، ,وأبو رباح هو عبدالله بن رباح ثقة.
(٢) روى البخاري في "صحيحه" (٣/ ١٨٤) (٢٦٩٧)، ومسلم في "صحيحه" (٣/ ١٣٤٣) (١٧١٨) من طريق إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد».
(٣) وفي الحاشية: "أي يخرجون".
(٤) رواه البخاري في "صحيحه" (٤/ ٢٠٠) (٣٦١٠)، ومسلم في "صحيحه" (٢/ ٧٤٤) (١٠٦٤) من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد بنحوه مطولا.
(٥) كذا بالأصل.
(٦) هذا الأثر نسب لابن سيرين كما سيأتي إسناده.

<<  <   >  >>