فإن قالوا ما أحدثنا هذه المحدثات إلا ليجذب أقوامًا من معصية الله عز وجل إلى طاعته وتتألف قلوبهم بذلك، فأقول لهم: قد كان نبيّكم صلى الله عليه وسلم إن كنتم من أمته أعلم بأحوال الناس وما يتألّفون به وكذا من بعده من صالحي السّلف وخيار الخلق كانوا لا يجذبون الناس من المعاصي إلى طاعة الله تعالى وإلى طريق الحق بشيء من هذه المحدثات والمكروهات، وإنّما كانوا يجذبونهم بما أمر به من الذكر وقراءة القرآن والتذكير بنعم الله تعالى على عباده وآلائه وعظمته وحكمته وما ينبغي من طاعة وذكر الجنة والنار في الآخرة برفق ولين وشفقة وإرفاد شيء من الدنيا. وقد صح وثبت أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"إن كان الرجل ليُسلم وما مراده إلا الدنيا فما عسى إلا ودينه أحب إليه من الدنيا [ق ٩٩ /أ] وما فيها"(١)، ألا والذي أعرفكم بحال قوم يجذبون الجهّال من المعاصي إلى طاعة الله تعالى وإلى طريق الحق بشيء من هذه المحدثات والمكروهات التي أحدثت بعد أصحاب رسول الله عليه السلام مع بقائهم عليها وتزيينهم بها أشدّ ضررًا على أهل الإسلام من الكفار والمشركين قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (٥) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: ٥، ٦]، وكلّ قوم يستحسنون شيئًا من هذه الحوادث التي أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم في الدين ممّن دعائهم الشيطان فأجابوه ودخلوا في حزبه وصاروا ممّن زيّن له سوء عمله فرآه حسنًا، وذلك أنهم لم يقنعوا أن يقولوا فيما أحدثوا أن هذه لعب وخطأ حتى قالوا إن هذا حسنًا وهذا مقامات الرجال، ومذهب أهل الحقّ من أصحاب الحديث وأهل الصدق أن من كان مصرًّا على شيء مجمع على تحريمه ويعتقد ويقوله أنّه حرام وأنّ تركه واجب مندوب إليه فهو فاسق، ومن اعتقد أنّه حلال وأنّه يتقرّب به [ق ٩٩ / ب] إلى الله عز وجل بشيء مجمع على أنه مكروه فهو مبتدع ضال مضلّ قد خرج عن الملّة ومذهب أهل الإسلام وأئمتهم أن من ادّعى رتبة تزيد على السنّة وأفعال الصحابة رضوان الله عليهم لم يلتفت إليه كائنًا من كان، وأقول شعرا: