للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن له برهان من كتاب الله عزّ وجلَّ أو من سنّة رسوله عليه السلام أو من سنة الخلفاء الراشدين في أمرٍ من الأمور المتشابهات غير المحكمات تركه واجب؛ لأن [ق ١٠٣ / ب] الله تعالى قال في محكم كتابه العزيز: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: ٧]، فذمّ مبتغي المتشابه وقرنهم بمبتغى الفتنة، ثم أخبر أنّه لا يعلم تأويله إلا الله والوقف الصحيح عند أهل العلم عند قوله {إِلَّا اللَّهُ} (١)،


(١) قال العلامة الشنقيطي في "أضواء البيان" (١/ ١٩١): (لا يخفى أن هذه الواو محتملة للاستئناف، فيكون قوله: والراسخون في العلم مبتدأ، وخبره يقولون، وعليه فالمتشابه لا يعلم تأويله إلا الله وحده، والوقف على هذا تام على لفظة الجلالة ومحتملة لأن تكون عاطفة، فيكون قوله: والراسخون معطوفا على لفظ الجلالة، وعليه فالمتشابه يعلم تأويله: الراسخون في العلم أيضا، وفي الآية إشارات تدل على أن الواو استئنافية لا عاطفة ... والقول بأن الوقف تام على قوله: إلا الله، وأن قوله: والراسخون ابتداء كلام هو قول جمهور العلماء للأدلة القرآنية التي ذكرنا. وممن قال بذلك عمر، وابن عباس، وعائشة، وعروة بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، وابن مسعود، وأبي بن كعب، نقله عنهم القرطبي وغيره، ونقله ابن جرير عن يونس، عن أشهب، عن مالك بن أنس، وهو مذهب الكسائي والأخفش والفراء وأبي عبيد ...
والقول بأن الواو عاطفة مروي أيضا عن ابن عباس، وبه قال مجاهد والربيع، ومحمد بن جعفر بن الزبير، والقاسم بن محمد وغيرهم ... " وقال الشيخ مناع في "مباحث في علوم القرآن" (ص: ٢٢٤): "الذين يقولون بالوقف على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} , ويجعلون: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} , استئنافًا، إنما عنوا بذلك التأويل، أي الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، فحقيقة ذات الله وكنهها وكيفية أسمائه وصفاته وحقيقة المعاد لا يعلمها إلا الله.

والذين يقولون بالوقف على قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} على أن الواو للعطف وليست للاستئناف، إنما عنوا بذلك التأويل أي التفسير، وبهذا يتضح أنه لا منافاة بين المذهبين في النهاية، وإنما الأمر يرجع إلى الاختلاف في معنى التأويل ... ثم قال: أسماء الله وصفاته وإن كان بينها وبين أسماء العباد وصفاتهم تشابه في اللفظ والمعنى الكلي إلا أن حقيقة الخالق وصفاته ليست كحقيقة المخلوق وصفاته، والعلماء المحققون يفهمون معانيها ويميزون الفرق بينها، وأما نفس الحقيقة فهي من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله".

<<  <   >  >>