للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: كيف لي أن أعرف المتشابه من المحكم؟ فقال: "المتشابه الذي يكون في موضع كذا وفي موضع مختلف فيه والمحكم الذي ليس له اختلاف" (١)، فإذ ذلك كذلك في كتاب الله عز وجل، فترك ما دونه أولى وأوجب، وصحّ وثبت أنّ النبي عليه السلام قال "إنّه من يعش منكم بعدي فيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنّتي" (٢) وقد تقدم الحديث شرحه وبالاتفاق أن النبي عليه السلام ما قال عليكم بسنّة علمائكم ومشايخكم ولا قال فاقتدوا بهم واتبعوا طريقهم، ألا فكلما اختلف الناس فيه ممّا لا نصّ لهم فيه من كلام الله عزّ وجلّ ولا في سنّة رسول الله عليه السلام ولا في سنّة الخلفاء الراشدين ولا إجماع الصّحابة رضوان الله عليهم أنّ ذلك من الشبهات ومن وقع [ق ١٠٤ /أ] في الشبهات وقع في الحرام لما صحّ وثبت عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: «إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتّقى الشبهات استبرأ لدينه، وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإنّ لكلّ ملك حمى، وحمى الله عزّ وجلّ محارمه، ألا وإنّ في الجسد مضغة، إذا صلحت، صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» (٣).


(١) قال القاضي أبو يعلى في "العدة" (٢/ ٦٨٥): " ظاهر كلام أحمد رحمه الله: أن "المحكم": ما استقل بنفسه، ولم يحتج إلى بيان. و"المتشابه": ما احتاج إلى بيان؛ لأنه قال في كتاب "السنة": بيان ما ضلت فيه الزنادقة في القرآن. ثم ذكر آيات تحتاج إلى بيان، وقال في رواية ابن إبراهيم "المحكم": الذي ليس فيه اختلاف، والمتشابه: الذي يكون في موضع كذا وفي موضع كذا. ومعناه: ما ذكرنا؛ لأن قوله: "المحكم": الذي يكون في موضع كذا وفي موضع كذا، معناه: الذي يحتاج إلى بيان؛ فتارة يبين بكذا وتارة يبين بكذا؛ لحصول الاختلاف في تأويله ... ثم ذكر أقوالا أخرى في المحكم والمتشابه.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) أخرجه البخاري في "صحيحه" (١/ ٢٠) (٥٢)، ومسلم في "صحيحه" (٣/ ١٢١٩) (١٥٩٩) من طريق زكرياء، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير رضي الله نه به.

<<  <   >  >>