للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ألا إن قومًا جعلوا الكفر في تمييز ما اشتبه عليهم وطلب الراحة في اتّباع ما يسهل حتى ظنّوا أن ذلك أوفق أمريهم وأحمد حاليهم اغترارًا بأنّ الأسهل محمود، والأوعر مذموم فلن يعدم أن يتورّطوا في الفتنة بخدع الهوى وزينة المكر في كلّ مخوف حذر ومكروه عسر، وكذلك قال عامر بن الظَّرِب (١): "الهوى يقظان والعقل نائم، فمن ثم غلب"، وقيل في المثل: "العقل وزير ناصح والهوى وكيل فاضح"، أقول شعرا:

إذا ما دعتك النفس يومًا لشهوة ... وكان عليها للخلاف طريق

فلا تتبعها في [ق ١٠٧ /أ] هواها مطاوعًا ... فتصبح في بحر الذنوب غريق

وكن لهواها ما استطعت مخالفا ... كما فعل العباد خير فريق

فقد خالفوها ما استطاعوا على الهوى ... فنيران ما تهوى النفوس تحيق (٢)

ولا تطع النفس الغرور فإنّها ... الأمارة بالسوء بئس رفيق

فإن تطع النفس المضلة في الهوى ... بك الطير تهوى والمكان سحيق

فخالف هواها ما استطعت فإنما ... هواها عدّو والخلاف صديق


(١) هو عامر بن الظَّرِب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان ابن عمرو بن قيس بن عيلان. شاعر جاهلي قديم، إمام العرب وحكمهم في سوق عكاظ، قاد معداً كلها إلى اليمن يوم البيداء (وهي وقعة بين تهامة واليمن وقيل بين حمير وكلب) فكان واحداً من ثلاثة اجتمعت عليهم معدّ في الجاهلية. تزوج بـ (ماويّة بنت عوف بنت فهر) و (شقيقة بنت معن بن مالك بن باهلة) وهي إحدى أمهات الرسول صلى الله عليه وسلم. وأبرز مآثره لعامر بن الظَّرِب هي الحكم والقضاء فقد كان إمام العرب في مواسمهم وقاضيهم في سوق عكاظ وثمة أحكام له وافقها الإسلام ومنها خلعه لابنته (فعمة) من زوجها عامر بن الحارث. وكان أول خلع في العرب وأول من قضى بأول دية مقدارها مائة ألف من الإبل! وكذلك حكمه في الخنثى. وهو أحد الذين حرّموا الخمر والأزلام في الجاهلية. نقلا عن الموسوعة الشعرية.
(٢) ساقطة من الأصل واستحسنا لها هذه الكلمة.

<<  <   >  >>