للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اعلم أن الشهوات ما دعا إليه الطبع ومال إليه هوى النفس من لذّات الدنيا، فكأنّه عليه السلام أشار إلى أن شهوة دنية من شهوات الدنيا تنقضي في أدنى زمان فتذهب لذّتها وتفنى سريعًا قد تورث صاحبها حزنًا طويلاً وكآبةً وغمًّا طويلاً قد لا ينفك عنه أيّام دنياه، وربّما اتّصل بحسرة وحزن وندامة وتأسّف طويل لا يفارقه في أخراه غدًا ولا يبيد ولا ينقضي أبدًا، وذلك كشهوة نظرة إلى مستحسن محرّم يفضي به إلى مواقعة الكبائر أو كلمة باطل يمنع بها حقًّا أو يحق بها باطلاً فيعقبه بها حزنًا طويلاً كما قال صلى الله عليه وسلم "أن الرجل ليتكلّم بالكلمة لا يرفع بها بالاً (١) يهوي [ق ١٠٨ /أ] بها في النار سبعين خريفًا" (٢)، وأما النظرة نظرة العابد الذي كان مجاب الدعوة فجيء بامرأة مريضة جميلة فتركت عنده ليدعو لها فنظر إليها نظرة، فلم تزل به الشهوة حتى واقعها وعلقت فخشي الفضيحة فقتلها ودفنها إلى جانب الصومعة، ثم قال لأهلها أنها ماتت ودفنتها فقبلوا قوله فجاء الشيطان، فأعلم أخوتها بما صنع بها العابد ودلّهم على قبرها في صومعة فجاؤها فوجدوها فأخذوه ليصلبوه، فجاء الشيطان فقال له: أنا أوقعتك في هذا كلّه، فإن سجدت لي سجدة واحدة خلّصتُك من القتل فسجد له فكفر وقتل على هذه الحال ذكر هذه القصة المفسّرون في قوله تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ ... } الآية [الحشر: ١٦] (٣)


(١) بالأصل: "باطلا".
(٢) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٨/ ١٠٠ - ١٠١) (٦٤٧٧، ٦٤٧٨)، ومسلم في "صحيحه" (٤/ ٢٢٩٠) (٢٩٨٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" (٢٣/ ٢٩٤) عن خلاد بن أسلم، قال: ثنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا شعبة، عن أَبي إسحاق، قال: سمعت عبد الله بن نهيك، قال: سمعت عليًا رضي الله عنه يقول: فذكره بنحوه، وإسناده صحيح وشعبة سمع من أبي إسحاق، وهو السبيعي قبل اختلاطه، كما أن أبا إسحاق صرح بالسماع، وقد اختلف على أبي إسحاق من طرق أخرى ضعيفة.
وأخرجه الخرائطي في "إعتلال القلوب" (١/ ١٠١) (١٩٦) من طريق علي بن حرب قال: حدثنا محمد بن فضيل قال: حدثنا الحسن بن عبيد الله، عن عدي بن ثابت قال: سمعت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول فذكره بنحوه، وإسناده صحيح إلا أنه منقطع بين عدي وابن عباس.
وأخرجه الطبري في "تفسيره" (٢٣/ ٢٩٥) عن يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أَبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن زيد، عن عبد الله بن مسعود بنحوه، وأبو يحيى لم أعرفه.
وورد الحديث مرفوعا عند ابن أبي الدنيا في "مكائد الشيطان" (ص/٨٠) (٦١) عن بكر بن عبيد نا عبد الرحمن بن يونس، نا سفيان بن عيينة، قال: سمع عمرو بن دينار أن عروة بن عامر سمع عبيد بن رفاعة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، وإسناده مرسل فلا يعلم لعبيد صحبة.
وعليه فالأثر ضعيف مرفوعا صحيح موقوفا، ومثله من الموقوفات لا يكون إلا مأخوذا عن أهل الكتاب.

<<  <   >  >>