للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي وجيز هذا اللفظ منه عليه السلام أتمّ وأزجر وأبلغ ردع عن متابعة الشهوات وغرور الأماني لما يعقب من طول البلاء ودوام الحزن والخسران أبدًا بعد قصر لذّة التهاني، وأقول شعرا:

يا مطيعًا لنفسه في هواها ... عندما تشتهي معاصي الجليل

تابعًا نفسه مطيعًا هواها ... في معاصيه لذةً بالقليل

كلّما سوّلت لأمر أتاه ... ما عصاها في ذلك التسويل [ق ١٠٨ / ب]

ما له عن شهواتها من براح ... يقتضي في خلافها التحويل

سوف ترميه باتباع في هواها ... وبال بكلّ أمر وسبيل

ويلاقي بذاك حزنًا طويلاً ... في قبيل يا ذلة من قبيل

في قبيل العصاة مع كلّ عاص ... مات لا توبة له بالسبيل

كم قتيل لشهوة وإسراف من ... مشته (١) خلاف الجميل

شهوات الإنسان تورثه الذّل ... وتلقيه في البلاء الطويل

قرأت أنّ العباس رضي الله عنه عمّ نبيّنا عليه السلام قال: "إذا اشتبه عليك أمرين فدع أحبّهما إليك، وخذ بأثقلهما عليك" (٢)، قال الأصمعي: قيل لبعض العرب إذا أشكل على الرجل أمران لا يدري أيّهما أرشد فأيّهما يتبع، قال ليخالف أقربهما من هواه، فإن أكثر ما يكون الخطب باتّباع الهوى. وروي نحو هذا عن سفيان بن عيينة رضي الله عنه ألا ليس التشديد مما يستمال به العامة والجهال غالبًا، بل النفوس إلى الرخص والبطالة واللهو أميل كما قيل شعرا:

داعيات الهوى يهون علينا ... وخلاف الهوى علينا ثقيل

مع نفوس لا تنثني عن هواها ... الفتنة رواحها والمقيل

ولا تثن عزمها عنه يومًا ... عنده يستقبلها المستقيل

كيف هذا وقد تمكن منها ... شهوات [ق ١٠٩ /أ] ... .........

......................................... (٣) كخيل

ترتمي في الهوى إذا ما دعاها ... عند لهو تراه حسنًا جميل

فارهبوا من نفوسكم واحذروها ... أن تميلوا إلى هواها المميل

فهي أعدى عدوكم فاتقوها ... قبل تلقونها بها البكاء والعويل

فمطيع الهوى غدا سوف يلقى ... في عذاب الجحيم [حز] نا طويل


(١) من الشهوة
(٢) ذكره الماوردي في "أدب الدنيا والدين" (ص/٣٣) بدون إسناد.
(٣) بالأصل مقدار سطر لم يظهر في التصوير.

<<  <   >  >>