للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على فجاجها وسبلها تتخطّف الناس عنها. الله المستعان فليس يعرف هذا الأمر ويهمّه إلا رجل عاقل مميّز قد أدّبه العلم، وشرح الله صدره للإسلام، فهو على نور من ربّه فقد كثر المغترّون بتمويهاتها وتباهى الزائغون الجاهلون بلبسة حليّها، فأصبحنا وقد أصابنا ما أصاب الأمم الخالية قبلنا، وحلّ بنا الذي حذرنا منه نبيّنا صلى الله عليه وسلم من الفرقة والاختلاف وترك الجماعة والائتلاف وواقع أكثرنا الذي عنه نهينا، وترك الجمهور منّا ما به أمرنا، فخلعت لبسة الإسلام، ونزعت حليته الإيمان، وانكشف الغطاء، وبرح الخفاء، وعبدت الأهواء واستعملت الآراء، وقامت سوق الفتن، وانتشر أعلامها وظهرت الرّدة، وانكشف قناعها، وقدّحت زناد الزندقة، فاضطرمت نيرانها، وخلف محمد عليه السلام [في أمته] (١) بأقبح الخلف، [ق ١٦ / ب] وعظمت البليّة، واشتدّت الرزية، وظهر المبتدعون، وتنطع (٢) المتنطعون، وانتشرت البدع، ومات الورع، وهتكت سجف المشاينة، وشهرت سيوف المخاشنة بعد أن كان أمرهم هينًا وحدّهم ليّنا، وذلك حتى كان (٣) أمر الأمة مجتمعا والقلوب متألفة، والأئمة عادلة، والسلطان قاهرًا، والحق ظاهرًا، فانقلب وانعكس الزمان، وانفرد كل قوم ببدعتهم، وحربت الأحزاب، وخولف الكتاب، واتخذوا أهل الإلحاد رؤساء وأربابًا، وتحولت البدعة إلى أهل الاتفاق، وتهّور في الغشاوة العامة (٤)


(١) ساقطة من الأصل، استدركتها من الإبانة.
(٢) قال الخليل الفراهيدي في "العين": " النِّطَعُ ما يُتَّخَذُ من الأَدَمِ، وتصحيحه: كَسْرُ النّون وفتحُ الطّاء، يجمع على أنطاع. والنطع مثل فِخْذ وفَخْذ: ما ظهر من الغار الأعلى، وهي الجلدةُ الملتصقةُ بعَظْمِ الخُلَيْقاء، وفيها آثارٌ كالتّحزيز، ويُجْمَعُ على نُطُوع، ومنهم من يقول للأسفل والأعلى: نِطْعان".
(٣) بالأصل: " حين" والتصويب من الإبانة.
(٤) وفي الإبانة: " وتهوك في العسرة العامة" ..

<<  <   >  >>