للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الحافظ أبو نعيم: وقد صار المتمسكون في زماننا بالسمت الأهدى، والحظ الأوفى، أغرب الغرباء، وأبعد البعداء؛ لأن الناس أصبحوا على طبقات ثلاث: متحلّ بالعلم يسوق به، اتخذ العلم مكسبًا ينحط في الأهواء، جامعًا بذلك الأسواء والأدواء. وآخر مرتكسًا في ضلالته، منتكسًا في بدعته، أصبح إليها داعيًا، وعن قبول الحق ناهيًا، لا يرى الحق إلا في وفاقه، ولا الباطل إلا في خلافه وشقاقه. وثالث بجهله راضيًا لاهيًا، وعن حظّه ماضيًا ساهيًا بالتكاثر لهجًا وبارًا، وبالتفاخر بهجًا لا يعرف معروفًا، ولا يعين ملهوفا رخصت عليه أديانهم، فخفت من الأعمال ميزانهم، وسقطت [ق ١٧ /ب] عند المحققين أوزانهم، فهم كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "همج رعاع أتباع كل ناعق" (١). يَرفُصُون مع كل زاعق ويُنساقون لكل سائق، إذا دارت رحى الظالمين والجائرين صالوا بصولتهم (٢)، فإذا أقبلت راية المضلين المبطئين، غالوا إلى ضلالتهم، فدينهم التحوّل والانتقال، ودنياهم التطاول والاعتدال، وكيف لا يعزّ المحققون وهم من بين الناس مقدّمون وعن مصاحبة الأشرار يميّزون، وبالأخيار منهم يرحلون؟ قلت: كما روي عن مرداس الأسلمي رضي الله عنه أن رسول الله عليه السلام قال: "يذهب الصالحون الأول فالأول حتى لا يبقى إلا حفالة كحفالة التمر والشعير، لا يعبأ الله بهم" (٣). وعن مسلمة (٤) الفهري رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه السلام: "يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الأوَّلُ فَالأوَّلُ، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ التَّمْرِ أَوِ الشَّعِيرِ، لا يُبَالِيهِمُ اللَّهُ عز وجل بهم" (٥) قوله عليه السلام حفالة التمر والشعير يعني رذالته وما لا خير فيه منه.


(١) جزء من وصية علي رضي الله عنه لكميل بن زياد وقد سبق بيان ضعف إسنادها.
(٢) وفي الحاشية: الصول والصولة جمل. . . - كلمة غير واضحة - يقال: صال يصول صولاً، وصولة إذا حمل وتوجه].
(٣) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٨/ ٩٢) (٦٤٣٤) بنحوه، وقال عقبه: «يقال حفالة وحثالة».
(٤) بالأصل: " مسعود"، وهو خطأ.
(٥) إسناده ضعيف - أخرجه ابن الصفار في "الأربعون من مسانيد المشايخ العشرين" (ص/ ٣٠٩) بإسناد فيه جبارة بن المغلس، قال عنه الذهبي في "الكاشف" وابن حجر في "التقريب": "ضعيف"، وشيخه شريك القاضي: صدوق يخطئ كثيرا.

<<  <   >  >>