للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنما يمكن الشيطان من أقوام من أهل زماننا نبذوا بالعلماء وبالعباد وليسوا منهم في شيء لعدم العلم، وأنهم ما جالسوا أهل العلم ولا [ق ٢٧ /أ] ولا شمّوا ريحهم وهم كما قال أبو الفرج عبد الرحمن الجوزي رحمة الله عليه سهروا فما ناموا لتدبير الناموس وسعوا في صحة أبدانهم ولا جالينيوس وأنهم في التهافت على جمع الأحجار زباب طعم وفراش نارٍ يتشبهون بالعباد، وليسوا منهم وقد سمعوا وصاياهم ولم يحفظوا عنهم ولكثرة أكلهم وشبعهم من الألوان المختلفة التي جرى منها الشيطان إلى قلوبهم فاسدها واستحوذ عليها (١)، ولأجل جهلهم وامتلائهم من الشهوات التي غفلت قلوبهم عن الله عز وجل وأقبلت بها إلى الحوادث والمكروهات كالرقص واستماع الغناء والشبابات وكل ذلك من عدم العلم وكثرة الجهل وقلة المروءة، وذهاب الخوف من الله عز وجل، فبالله العجب من حب الناس لهم وتعظيمهم إياهم، وميلهم إليهم، وما هم إلا كما أقول؟

أقول لطالبٍ بالافتقار ... من الناس: التعظم بالوقار

يروه بهيبة، قد وقّروه ... ويخشى بينهم للاحتقار

أحب مكانه فيهم وجيهًا ... مداهنته لهم بالاعتبار

تجمل بالثياب ولا تبالي ... فإن العين قبل الإخبار [ق ٢٧ / ب]

فلو لبس الحمار ثيابٍ خزٍ ... لقال الناس: يا لك من حمار

وكما روي أن الحسن البصري قال: "إن قومًا جعلوا خشوعهم في لباسهم وكبرهم في صدورهم، وشهروا أنفسهم بلباس الصوف حتى أن لابس الصوف أشدّ كبرًا من صاحب المطرف بمطرفه" (٢)، وقال غيره: ولكنهم يترفعون فيه حتى يكون إسرافًا أدق من القطن والكتّان وأكثر ثمنًا، وهي الدنيا كلما رُفعَتْ وضعها الله عز وجل.

وروي أن سفيان الثوري رضي الله عنه قال: "الزهد عندنا قصر الأمل لا أكل الغليظ ولا لبس العباء" (٣).


(١) في الحاشية: الاستحواذ الغالب.
(٢) صحيح -أخرجه الدينوري في "المجالسة" (٧/ ١٣٣) (٣٠٣٠) بإسناد صحيح عن الحسن به.
(٣) صحيح – أخرجه ابن أبي الدنيا في "الزهد" (ص/٦٣) (١٠٩)، وابن الأعرابي في "الزهد" (ص؟ ٣٠) (٨)، وأبو نعيم في "الحلية" (٦/ ٣٨٦) من طريق وكيع عن الثوري به، وإسناده صحيح.

<<  <   >  >>