بأسمائك الحسنى التي بعض وصفها ... لعزتها تستغرق النثر والنظما
بعهد قديم من ألست بربكم ... بمن كان مجهولاً فعلمته الأسما
أذقنا شراب الأنس يا من إذا سقى ... محباً شراباً لا يضام ولا يظما
قرأ بعضهم عنده يوماً قوله تعالى ?هَذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ * وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ? [المراسلات: ٣٥، ٣٦] فتغير لونه واقشعر جلده واضطربت مفاصله وخر مغشياً عليه، فلما أفاق قال: أعوذ بك من مقام الكاذبين، وإعراض الغافلين، اللهم خضعت لك قلوب العارفين، وذلت لهيبتك المشتاقون، إلهي هب لي جودك بسترك، واعف عني في تقصيرى بكرمك، يا ذا الجلال والإكرام.
كان هذا خوف الشافعي مع علمه ويح للجاهلين الغافلين، أعمارهم تنهب، وآثامهم تكتب.
وكان الإمام أحمد بن حنبل يعظم الشافعي ويذكره كثيراً ويثني عليه، وكانت له ابنة صالحة تقوم الليل وتقوم النهار، وتحب أخبار الصالحين الأخيار، وتود أن ترى الشافعي لتعظيم أبيها له، فاتفق مبيت الشافعي عند أحمد ففرحت البنت في ذلك طمعاً أن ترى أفعاله وتسمع، فلما كان الليل قام الإمام أحمد إلى وظيفة صلاته، وذكره والإمام الشافعي مستلق علي ظهره والبنت تراقبه إلى الفجر فقالت: لأبيها يا أبت أنت تعظم الشافعي وما رأيت في هذه الليلة منه لا صلاة ولا ذكراً ولا ورداً، فبينما هو في الحديث إذ قام الإمام الشافعي، فقال له الإمام أحمد: كيف كانت ليلتك فقال ما بت ليلة أطيب منها ولا أبرك ولا أربح، فقال: وكيف ذلك؟ قال: لأني رتبت في هذه الليلة مائة مسألة، وأنا مستلق علي ظهري كلها في منافع المسلمين ثم ودعه ومضى، فقال أحمد لابنته: هذا عمله الليلة وهو نائم أفضل من الذي عملته وأنا قائم.
كانت حركاتهم وسكناتهم لله دافعاً لهم، وأقوالهم لله وذكرهم وفكرهم في الله، فقيامهم طاعة، ونيامهم صدقة، وذكرهم تسبيح، وسكونهم فكر، وعلمهم شفاء ورحمة للأمة لا جرم أن الله ذكرهم ومنحهم ومدحهم وجعلهم أئمة الإسلام وقدوة الأنام.
وكان مولد الشافعي بغرة، وقيل: بعسقلان، وقيل: باليمن سنه خمسين ومائة وحمل إلى مكة وهو ابن سنتين، وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وأذن له مالك ابن أنس في الفتوى وهو ابن خمس عشرة سنة وكانت وفاته رحمة الله تعالى يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين كما تقدم، بمدينة مصر ودفن في الفسطاس، وله قبة عظيمة هناك، وأسف على موته أحمد بن حنبل، وكان لأحمد ولد يقال له: عبد الله