للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المجلس الحادي والأربعون]

في الكلام على باب التسمية على كل حال، وفي ذكر فوائد كثيرة متعلقة بالتسمية والجماع وغير ذلك

الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان ومنَّ عليه بنطق اللسان، وحفظه بأسمائه الحسان ليطرد عنه كيد الشيطان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد ولد عدنان، وربيعة وقحطان، وعلى آله وأصحابه الشجعان الفرسان.

قَالَ البُخَارِي:

بَابُ التَّسْمِيةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعِنْدَ الوِقَاعِ

أي باب في بيان استحباب التسمية على كل حال أي: في الوضوء والغسل والتيمم والذبح وغير ذلك، حتى عند الوقاع، واستدل البخاري على عموم استحباب التسمية حتى عند الوقاع بالحديث الآتي.

سؤال: أفاده الكرماني وغيره وهو: فإن قيل: لأي شيء لم يذكر البخاري هذا الباب قبل ابتداء الوضوء الذي هو محله فإن التسمية أي: قول بسم الله إنما تستحب في الوضوء قبل غسل الوجه لا بعده، فكيف ذكرها بعد باب غسل الوجه؟

جوابه: أن البخاري لا يقصد حسن الترتيب بين الأبواب، ولهذا ذكر باب ما يقوله عند الخلاء بين أبواب الوضوء، ولو كان قصده المناسبة وحسن الترتيب لذكره قبل كتاب الوضوء، بل قصده إنما هو في نقل الحديث وما يتعلق بتصحيحه لا غير، ونعم المقصد.

قَالَ البُخَارِي: حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا. فَقُضِىَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، لَمْ يَضُرَّهُ» (١) .


(١) للحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث فوائد منها:
قوله: «لم يضره» : في رواية شعبة عند مسلم وأحمد «لم يسلط عليه الشيطان أو لم يضره الشيطان» ، وفي مرسل الحسن عن عبد الرزاق «إذا أتى الرجل أهله فليقل بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا ولا تجعل للشيطان نصيبا فيما رزقتنا، فكان يرجى إن حملت أن يكون ولدا صالحا» واختلف في الضرر المنفي بعد الاتفاق على ما نقل عياض على عدم الحمل على العموم في أنواع الضرر، وإن كان ظاهرا في الحمل على عموم الأحوال من صيغة النفي مع التأبيد، وكان سبب ذلك ما جاء في بدء الخلق «إن كل بني آدم يطعن الشيطان في بطنه حين يولد إلا من استثنى» فإن في هذا الطعن نوع ضرر في الجملة، مع أن ذلك سبب صراخه. ثم اختلفوا فقيل المعنى: لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية، بل يكون من جملة العباد الذين قيل فيهم ?إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ? [الحجر: ٤٢] ويؤيده مرسل الحسن المذكور، وقيل: المراد لم يطعن في بطنه، وهو بعيد لمنابذته ظاهر الحديث المتقدم، وليس تخصيصه بأولى من تخصيص هذا، وقيل: المراد لم يصرعه، وقيل: لم يضره في بدنه.
وقال ابن دقيق العيد: يحتمل أن لا يضره في دينه أيضاً، ولكن يبعده انتفاء العصمة. وتعقب بأن اختصاص من خص بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق الجواز، فلا مانع أن يوجد من لا يصدر منه معصية عمداً وإن لم يكن ذلك واجبا له.
وقال الداودي معنى: «لم يضره» أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر، وليس المراد عصمته منه عن المعصية.
وقيل لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه كما جاء عن مجاهد: «أن الذي يجامع ولا يسمي يلتف الشيطان على إحليله فيجامع معه» ولعل هذا أقرب الأجوبة، ويتأيد الحمل على الأول بأن الكثير ممن يعرف هذا الفضل العظيم يذهل عنه عند إرادة المواقعة والقليل الذي قد يستحضره ويفعله لا يقع معه الحمل، فإذا كان ذلك نادراً لم يبعد.
وفي الحديث من الفوائد أيضاً:
١- استحباب التسمية والدعاء والمحافظة على ذلك حتي في حالة الملاذ كالوقاع.
٢- فيه الاعتصام بذكر الله ودعائه من الشيطان والتبرك باسمه والاستعاذة به من جميع الأسواء.
٣- وفيه الاستشعار بأنه الميسر لذلك العمل والمعين عليه.
٤- فيه إشارة إلى أن الشيطان ملازم لابن آدم لا ينطرد عنه إلا إذا ذكر الله.
٤- فيه رد على منع المحدث أن يذكر الله، ويخدش فيه الرواية المتقدمة: «إذا أراد أن يأتي» وهو نظير ما وقع من القول عند الخلاء، وقد ذكر المصنف ذلك وأشار إلى الرواية التي فيها: «إذا أراد أن يدخل» . انظر فتح الباري (٩/٢٢٨ - ٢٢٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>