قوله: «حتى جاءه الحق» أي: الأمر الحق، وفي التفسير: حتى فجئه الحق - بكسر الجيم - أي بغته، وإن ثبت من مرسل عبيد بن عمير أنه أوحي إليه بذلك في المنام أولاً قبل اليقظة، أمكن أن يكون مجيء الملك في اليقظة عقب ما تقدم في المنام. وسمي حقاً لأنه وحي من الله تعالى. وقد وقع في رواية أبي الأسود عن عروة عن عائشة قالت: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أول شأنه يري في المنام، وكان أول ما رأى جبريل بأجياد، صرخ جبريل: «يا محمد» فنظر يمينا وشمالاً فلم ير شيئا، فرفع بصره فإذا هو على أفق السماء فقال: «يا محمد، جبريل جبريل» فهرب فدخل في الناس فلم ير شيئاً، ثم خرج عنهم فناداه فهرب، ثم استعلن له جبريل من قبل حراء، فذكر قصة إقرائه «اقرأ باسم ربك» ورأي حينئذ جبريل له جناحان من ياقوت يختطفان البصر، وهذا من رواية ابن لهيعة عن أبي الأسود، وابن لهيعة ضعيف. وقد ثبت في صحيح مسلم من وجه آخر عن عائشة مرفوعا: «لم أره - يعني جبريل - على صورته التي خلق عليها إلا مرتين» ، وبين أحمد في حديث ابن مسعود أن الأولى كانت عند سؤاله إياه أن يريه صورته التي خلق عليها، والثانية عند المعراج. وللترمذي من طريق مسروق عن عائشة: «لم ير محمد جبريل في صورته إلا مرتين: مرة عند سدرة المنتهي، ومرة في أجياد» وهذا يقوي رواية ابن لهيعة، وتكون هذه المرة غير المرتين المذكورتين، وإنما لم يضمها إليهما لاحتمال أن لا يكون رآه فيها على تمام صورته، والعلم عند الله تعالى. ووقع في السيرة التي جمعها سليمان التيمي فرواها محمد بن عبد الأعلى عن ولده معتمر بن سليمان عن أبيه أن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حراء وأقرأه «اقرأ باسم ربك» ثم انصرف، فبقي متردداً، فأتاه من أمامه في صورته فرأى أمراً عظيماً. انظر: الفتح (١/٧٢) .