للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[المجلس الرابع]

في الكلام على حديث «إنما الأعمال بالنيات»

وفيما يتعلق بالنية وفيما يتعلق بالهجرة

ورأيت أن أفتح هذا المجلس بخطبة الألفية للعراقي للمناسبة وهي:

الحمد لله الذي قبل بصحيح النية حسن العمل، وحمل الضعيف المتقطع على مراسيل لطفه فاتصل، ورفع من أسند في بابه، ووقف من شذ عن جنابه وانفصل، ووصل مقاطيع حبه، وأدرجهم في سلسلة حزبه، فسكت نفوسهم عن الاضطراب والعلل، فموضوعهم لا يكون محمولاً ومقلوبهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له الفرد الأول، وأن سيدنا محمد عبده ورسوله، أرسله والدين غريب فأصبح عزيراً مشهوراً واكتمل، وأوضح به معضلات الأمور، وأزال به منكرات الدهور الأُول، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه وسلم، ما علا إسناده ونزل، وطلع نجم وأفل.

قال الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي رحمه الله تعالى ورضي عنه:

«حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ، يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - عَلَى الْمِنْبَرِ ... » .

بكسر الميم مشتق من النبر، وهو الارتفاع، وهو بلفظ الآلة، لأنه آلة الارتفاع، والألف واللام فيه للعهد أي: منبر مسجد رسول الله - رضي الله عنه -، وكان عمل المنبر في السنة السابعة من الهجرة، وقيل: في السنة الثامنة، وهو أول منبر في الإسلام، والصانع له اسمه باقول، وقيل: باقوم، وقيل: إصباح، وقيل: إبراهيم، وقيل: تميم الداري، وكان درجتين والمقعد، فلما كان في خلافة معاوية بعث إلى مروان: أن ارفع المنبر فزاده ست درجات من أسفل، فلما كان في دولة بني العباس اتخذوا المنبر أمشاطاً للِّحى لأجل البركة من النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قال النووي: واتخاذ المنبر سنة، ويستحب أن يكون على يمين المحراب، قريباً منه.

وذكر البخاري في هذا الإسناد لفظ: «حدثنا» في ثلاثة مواضع، وذكر في الرابع: «أخبرني» (١)

، وفي الباقي: «سمعت» إشارة إلى الفرق بينهما، وهو قول


(١) أفاد السيوطي في تدريب الراوي (٢/١٦) أن حدثنا وأخبرنا ليس بمعنى وهذا ما ذهب إليه عبد الله ابن المبارك ويحيى بن يحيى التميمي، وأحمد بن حنبل، والنسائي وغيرهم.
قال الخطيب: وهو مذهب خلق كثير من أصحاب الحديث، وجوزها طائفة قيل: إنه مذهب الزهري ومالك وسفيان ابن عيينة ويحيى بن سعيد القطان والبخاري وجماعات من المحدثين، ومعظم الحجازيين والكوفيين كالثوري وأبي حنيفة وصاحبيه والنضر بن شميل ويزيد بن هارون وأبي عاصم النبيل ووهب بن جرير وثعلب والطحاوي وألف فيه جزء.
ومنهم من أجاز فيها سمعت ومنعت طائفة حدثنا وأجازت أخبرنا وهو مذهب الشافعي وأصحابه ومسلم بن الحجاج وجمهور أهل المشرق، وقيل: إنه مذهب أكثر المحدثين، وروي عن ابن جريج والأوزاعي وابن وهب، وروي عن النسائي أيضاً وصار هو الشائع الغالب على أهل الحديث.
وفي الفرق بين هذه الألفاظ قال طاهر الجزائري في توجيه النظر إلى أصول الأثر (٢/٦٩١) : إن حدث المحدث جاز أن يقال: حدثنا، وإن قرئ عليه لم يجز أن يقال: حدثنا ولا أخبرنا، -وإنما يقول: سمعت-، وإن حدث جماعة لم يجز للمحدث عنه أن يقول: حدثني، وإن حدث بلفظه لم يجز أن يتعدى ذلك اللفظ، وإن كان قد أصاب المعنى.
وقال الزركضي في النكت على مقدمة ابن الصلاح (٣/٤٨٤) : وقال قوم: حدثنا دال على أنه سمعه لفظاً، وأخبرنا دال على سمع قراءة عليه، وهذا عندنا باب من التعمق والأمر في ذلك كله واحد ولا فرق بينهما عند العرب.
وقال في موضع آخر (٣/٢٤٨٥) : وذكر ابن العربي في المسالك: أن بعضهم قال: حدثنا أبلغ من أخبرنا لأن أخبرنا قد تكون صفة للموصوف والمخبر من له الخبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>