في الكلام على الإيمان وشروط الإسلام وفيه فوائده ولطائف كثيرة
وأفتح هذا المجلس بخطبة فتح الباري لشيخ الإسلام ابن حجر لمناسبتها وانساجمها فأقول:
الحمد لله الذي شرح صدور أهل الإيمان بالهدى، ونكت في قلوب أهل الطغيان فلا تعي الحكمة أبدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهاً واحداً فرداً صمداً وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله، ما أكرمه عبداً وسيداً وأعظمه أصلاً ومحتداً، وأطهره مضجعاً ومولداً، وأبهره صدراً ومورداً صلى الله عليه وسلم وعلى إله وصحبه غيوث الندا، وليوث العدا، صلاةً وسلاماً دائمين من اليوم وإلى أن يبعث الناس غدا.
«كتاب الإيمان» لما فرغ البخاري رحمه الله من كتاب بدء الوحي عقبة بذكر الإيمان، وقدوم الإيمان على الصلاة وغيرها لأنه أصل لجميع العبادات، أو شرط لصحتها فالعبادات كلها مبينة عليه، وبه النجاة في الدارين.
والكتاب: في اللغة الضم والجمع، وأما الكتاب في اصطلاح المصنفين فهو اسم لضم مخصوص، أو لجملة مختصة من العلم مشتملة على أبواب وفصول، أو مسائل غالباً، وهو مصدر كتب لكنه اسم مفعول مجاز أي: المكتوب فهو على حد قوله تعالى ?هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي? [لقمان: ١١] أي: مخلوقه.
والإيمان في اللغة: التصديق مطلقاً، مصدر أمن، وأصله:«أمان» قلبت الهمزة الثابتة ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها في علم الصرف من أن الهمزتين إذا التقتا في كلمة واحدة ثانيتهما ساكنة وجب قبلها بحركة ما قبلها، «وأمن» أصله «أمن» قلبت الثانية ألفاً لانفتاح ما قبلها وهمزة «أمن» يجوز أن تكون للتعدية بمعنى: أن المصدق جعل الغير آمنا من تكذيبه، ويجوز أن تكون للضرورة بمعنى: أن المصدق صار ذا أمن من أن يكون مكذوباً، وهو تارة يتعدى باللام وتارة يتعدى بالياء باعتبار تضمنه معنى الإذعان، والقول يعدى باللام كما في قوله تعالى ?فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ? [العنكبوت: ٢٦] وباعتبار تضمنه معنى الإقرار والاعتراف يعدى بالباء كما في قوله: ?آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ? [البقرة: ٢٨٥] وقوله ?يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ? [البقرة: ٣] كأنه قال يؤمنون معترفين وهو حكم واحد لكنه يقع تعليقه بمتعلقات متعددة