قوله: «دعا بإناء» : وفي رواية شعيب الآتية قريباً «دعا بوضوء» ، وكذا لمسلم من طريق يونس. وهو بفتح الواو اسم للماء المعد للوضوء، وبالضم الذي هو الفعل، وفيه الاستعانة على إحضار ما يتوضأ به. قوله: «فأفرغ» : أي صب. قوله: «على كفيه ثلاث مراراً» : كذا لأبي ذر، وللأصيلي وكريمة مرات بمثناة آخره، وفيه غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ولو لم يكن عقب نوم احتياطاً. قوله: «ثم أدخل يمينه» : فيه الاغتراف باليمين. واستدل به بعضهم على عدم اشتراط نية الاغتراف، ولا دلالة فيه نفياً ولا إثباتاً. قوله: «فمضمض واستنثر» : وللكشميهني «واستنشق» بدل واستنثر، والأول أعم، وثبتت الثلاثة في رواية شعيب الآتية في باب المضمضة، ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تقييد ذلك بعدد. نعم ذكره ابن المنذر من طريق يونس عن الزهري، وكذا ذكره أبو داود من وجهين آخرين عن عثمان واتفقت الروايات على تقديم المضمضة. قوله: «ثم غسل وجهه» : فيه تأخيره عن المضمضة والاستنشاق، وقد ذكروا أن حكمة ذلك اعتبار أوصاف الماء، لأن اللون يدرك بالبصر والطعم يدرك بالفم والريح يدرك بالأنف فقدمت المضمضة والاستنشاق وهما مسنونان قبل الوجه وهو مفروض، احتياطاً للعبادة. قوله: «ويديه إلى المرفقين» : أي كل واحدة كما بينه المصنف في رواية معمر عن الزهري في الصوم، وكذا لمسلم من طريق يونس وفيها: تقديم اليمنى على اليسرى، والتعبير في كل منهما بثم وكذا القول في الرجلين أيضاً. قوله: «ثم مسح برأسه» : ليس في شيء من طرقه في الصحيحين ذكر عدد المسح، وبه قال أكثر العلماء. وقال الشافعي: يستحب التثليث في المسح كما في الغسل، واستدل له بظاهر رواية لمسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وأجيب بأنه مجمل تبين في الروايات الصحيحة أن المسح لم يتكرر فيحمل على الغالب أو يختص بالمغسول. قال أبو داود في السنن: أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة واحدة. وكذا قال ابن المنذر: إن الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسح مرة واحدة، وبأن المسح مبني على التخفيف فلا يقاس على الغسل المراد منه المبالغة في الإسباغ، وبأن العدد لو اعتبر في المسح لصار في صورة الغسل، إذ حقيقة الغسل جريان الماء. والدلك ليس بمشترط على الصحيح عند أكثر العلماء. وبالغ أبو عبيدة فقال: لا نعلم أحداً من السلف استحب تثليث مسح الرأس إلا إبراهيم التيمي، وفيما قال نظر، فقد نقله ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أنس وعطاء وغيرهما. وقد روى أبو داود من وجهين صحح أحدهما ابن خزيمة وغيره في حديث عثمان تثليث مسح الرأس، والزيادة من الثقة مقبولة. قوله: «نحو وضوئي هذا» : قال النووي: إنما لم يقل «مثل» لأن حقيقة مماثلته لا يقدر عليها غيره. قلت: لكن ثبت التعبير بها في رواية المصنف في الرقاق من طريق معاذ بن عبد الرحمن عن حمران عن عثمان ولفظه «من توضأ مثل هذا الوضوء» وله في الصيام من رواية معمر «من توضأ وضوئي هذا» ولمسلم من طريق زيد بن أسلم عن حمران: «توضأ مثل وضوئي هذا» وعلى هذا فالتعبير بنحو من تصرف الرواة لأنها تطلق على المثلية مجازاً، لأن «مثل» وإن كانت تقتضي المساواة ظاهراً لكنها تطلق على الغالب، فبهذا تلتئم الروايتان ويكون المتروك بحيث لا يخل بالمقصود. والله تعالى أعلم. قوله: «ثم صلى ركعتين» : فيه استحباب صلاة ركعتين عقب الوضوء. قوله: «لا يحدث فيهما نفسه» : المراد به ما تسترسل النفس معه ويمكن المرء قطعه يقتضي تكسباً منه، فأما ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذر دفعه فذلك معفو عنه. ونقل القاضي عياض عن بعضهم أن المراد من لم يحصل له حديث النفس أصلاً ورأساً، ويشهد له ما أخرجه ابن المبارك في الزهد بلفظ: «لم يسر فيهما» . ورده النووي فقال: الصواب حصول هذه الفضيلة مع طريان الخواطر العارضة غير المستقرة. نعم من اتفق أن يحصل له عدم حديث النفس أصلاً أعلى درجة بلا ريب. ثم إن تلك الخواطر منها ما يتعلق بالدنيا والمراد دفعه مطلقاً. ووقع في رواية للحكيم الترمذي في هذا الحديث «لا يحدث نفسه بشيء من الدنيا» . وهي في الزهد لابن المبارك أيضاً والمصنف لابن أبي شيبة، ومنها ما يتعلق بالآخرة فإن كان أجنبياً أشبه أحوال الدنيا، وإن كان من متعلقات تلك الصلاة فلا. قوله: «من ذنبه» : ظاهره يعم الكبائر والصغائر لكن العلماء خصوه بالصغائر لوروده مقيداً باستثناء الكبائر في غير هذه الرواية، وهو في حق من له كبائر وصغائر، فمن ليس له إلا صغائر كفرت عنه، ومن ليس له إلا كبائر خفف عنه منها بمقدار ما لصاحب الصغائر، ومن ليس له صغائر ولا كبائر يزداد في حسناته بنظير ذلك. وفي الحديث: التعليم بالفعل لكونه أبلغ وأضبط للمتعلم. الترتيب في أعضاء الوضوء للإتيان في جميعها بثم. الترغيب في الإخلاص. تحذير من لها في صلاته بالتفكير في أمور الدنيا من عدم القبول، ولا سيما أن كان في العزم على عمل معصية فإنه يحضر المرء في حال صلاته ما هو مشغوف به أكثر من خارجها. ووقع في رواية المصنف في الرقاق في آخر هذا الحديث: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا تغتروا» أي: فتستكثروا من الأعمال السيئة بناء على أن الصلاة تكفرها، فإن الصلاة التي تكفر بها الخطايا هي التي يقبلها الله، وأنى للعبد بالاطلاع على ذلك. انظر فتح الباري (١/٢٥٩ – ٢٦١) .