للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المجلس السادس والأربعون]

في ذكر بعض مسائل تتعلق بغسل الميت، وذكر سنن الوضوء،

وذكر آدابه الباطنة

قَالَ البُخَارِي:

بَابُ التَيَمُّنِ فِي الوُضُوءِ والغَسْل

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - لَهُنَّ فِى غُسْلِ ابْنَتِهِ «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا» .

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِى أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِى تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِى شَأْنِهِ كُلِّهِ» (١) .


(١) للحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث فوائد منها:
أورد البخاري من الحديث طرفاً ليبين به المراد بقول عائشة: «يعجبه التيمن» إذ هو لفظ مشترك بين الابتداء باليمين وتعاطي الشيء باليمين والتبرك وقصد اليمين، فبان بحديث أم عطية أن المراد بالطهور الأول.
قوله: «كان يعجبه التيمن» : قيل لأنه كان يحب الفأل الحسن إذ أصحاب اليمين أهل الجنة. وزاد البخاري في الصلاة عن سليمان بن حرب عن شعبة: «ما استطاع» فنبه على المحافظة على ذلك ما لم يمنع مانع.
وقوله: «في تنعله» : أي لبس نعله.
وقوله: «وترجله» : أي ترجيل شعره وهو تسريحه ودهنه.
قال في المشارق: رجل شعره إذا مشطه بماء أو دهن ليلين ويرسل الثائر ويمد المنقبض، زاد أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة: «وسواكه» .
قوله: «في شأنه كله» : كذا للأكثر من الرواة بغير واو. وفي رواية أبي الوقت بإثبات الواو وهي التي اعتمدها صاحب العمدة.
قال الشيخ تقي الدين: هو عام مخصوص، لأن دخول الخلاء والخروج من المسجد ونحوهما يبدأ فيهما باليسار على التعميم، لأن التأكيد يرفع المجاز فيمكن أن يقال حقيقة الشأن ما كان فعلا مقصوداً، وما يستحب فيه التياسر ليس من الأفعال المقصودة بل هي إما تروك وإما غير مقصودة، وهذا كله على تقدير إثبات الواو، وأما على إسقاطها فقوله: «في شأنه كله» متعلق بيعجبه لا بالتيمن أي يعجبه في شأنه كله التيمن في تنعله الخ، أي لا يترك ذلك سفرا ولا حضرا ولا في فراغه ولا شغله ونحو ذلك.
وقال الطيبي قوله: «في شأنه» بدل من قوله «في تنعله» بإعادة العامل. قال: وكأنه ذكر التنعل لتعلقه بالرجل، والترجل لتعلقه بالرأس، والطهور لكونه مفتاح أبواب العبادة، فكأنه نبه على جميع الأعضاء فيكون كبدل الكل من الكل.
قلت: ووقع في رواية مسلم بتقديم قوله: «في شأنه كله» على قوله: «في تنعله الخ» وعليها شرح الطيبي، وجميع ما قدمناه مبني على ظاهر السياق الوارد هنا.
لكن بين البخاري في الأطعمة من طريق عبد الله بن المبارك عن شعبة أن أشعث شيخه كان يحدث به تارة مقتصراً على قوله: «في شأنه كله» وتارة على قوله: «في تنعله الخ» .
وزاد الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة أن عائشة أيضاً كانت تجمله تارة وتبينه أخرى، فعلى هذا يكون أصل الحديث ما ذكر من التنعل وغيره، ويؤيده رواية مسلم من طريق أبي الأحوص وابن ماجه من طريق عمرو بن عبيد كلاهما عن أشعث بدون قوله: «في شأنه كله» وكأن الرواية المقتصرة على: «في شأنه كله» من الرواية بالمعنى، ووقع في رواية لمسلم «في طهوره ونعله» بفتح النون وإسكان العين أي هيئة تنعله. وفي رواية ابن ماهان في مسلم «ونعله» بفتح العين.
وفي الحديث:
استحباب البداءة بشق الرأس الأيمن في الترجل والغسل والحلق، ولا يقال هو من باب الإزالة فيبدأ فيه بالأيسر، بل هو من باب العبادة والتزيين، وقد ثبت الابتداء بالشق الأيمن في الحلق.
وفيه البداءة بالرجل اليمنى في التنعل وفي إزالتها باليسرى.
وفيه البداءة باليد اليمنى في الوضوء وكذا الرجل، وبالشق الأيمن في الغسل.
واستدل به على استحباب الصلاة عن يمين الإمام وفي ميمنة المسجد، وفي الأكل والشرب باليمين.
قال النووي: قاعدة الشرع المستمرة استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين، وما كان بضدهما استحب فيه التياسر. قال: وأجمع العلماء على أن تقديم اليمين في الوضوء سنة من خالفها فاته الفضل وتم وضوءه، انتهى. انظر فتح الباري (١/٢٦٩ - ٢٧٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>