عبارة عن مجيىء الوحي بالتفصيلية أيضاً لأن مجيىء الملك.
وقوله «اقرأ» إلى آخر ما سيأتي تفصيل للمجمل الذي هو مجيىء الحق، والمفصل نفس المجمل، ومقصود عائشة أنه وحي المنام، وهو ستة أشهر كما تقدم، لما فرغت نزل عليه جبريل بالوحي في اليقظة، وهو في غار حراء، وكان نزوله عليه يوم الاثنين بعد مضي سبع عشر ليلة خلت من رمضان ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة وستة أشهر فقال: أول ما نزل عليه جبريل نزل عليه - صلى الله عليه وسلم - «اقرأ» قال: قلت له: «ما أنا بقارئ» .
قال العلماء: «ما» هنا نافية واسمها «أنا» و «بقارئ» خبرها، والباء زائدة لتأكيد النفي أي: ما أحسن القراءة.
قال ابن الملقن وغيره: وغلط من جعلها استفهاميه لدخول الباء في خبرها.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «فأخذني لما قلت له: ما أنا بقارئ فغطني» أي: ضمني وعصرني «حتى بلغ مني الجهد» أي: الطاقة «ثم أوصلني» أي: أطلقني من العصر «فقال: اقرأ قلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني وغطني الثالثة ثم أرسلني» .
والحكمة في عصر جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - ليشغله عن الالتفات إلى شيء من أمور الدنيا ولبيالغ في أمره بإحضار قلبه لما يقول له.
قيل: والحكمة في ذلك أن جبريل أراد بالعصر أن يوقفه على أن القراءة ليست من قدرته ولو أكره عليها، وكان كلما أمره بالقراءة فلم يفعل شدد عليه بالعصر لينبهه على أن القراءة ليست من قدرته ولا من طاقته ووسعه.
والحكمة في عصره ثلاثاً مبالغة في التنبيه على ذلك.
وقيل: الحكمة في فعل ذلك ثلاثاً الإشارة إلى أنه يبتلى بثلاث شدائد ثم يأتي الفرج، ولقي ذلك - صلى الله عليه وسلم - هو وأصحابه حصل لهم شدة من الجوع في الشعب حين تعاقدت قريش أن لا يبيعوا منهم ولا يصلوا إليهم، وشده أخرى من الخوف والإبعاد بالقتل، وشدة أخرى من الإجلاء عن أحب الأوطان إليهم، ثم كانت العاقبة للمتقين والحمد لله رب العالمين.
قال العلماء: في عصر جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - دلالة على أنه ينبغي للمعلم أن يحتاط في تنبيه المتعلم، وأن يأمره بإحضار مجامع قلبه، وأن يكرر له ما يعلمه ثلاثاً، وقد كان عليه الصلاة والسلام إذا تكلم بكلمته أعادها ثلاثاً لتفهم عنه.
وقد ورد في فضل تعليم القرآن وتعلمه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -