للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«يا أبا هريرة تعلم القرآن وعلمه للناس، ولا تزل كذلك حتى يأتيك الموت، فإذا أتاك الموت وأنت كذلك حجت الملائكة إلى قبرك كما يحج المؤمنون إلى بيت الحرام» (١) .

وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «إن القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتماً مقضياً، فيقرأ صبياً من صبيانهم في الكتاب ?الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ? [الفاتحة: ٢] فيسمع الله عز وجل فيرفع عنهم العذاب أربعين سنة» (٢) .

وكذلك الواعظ ينبغي له أن يحتاط في أمر الحاضرين بإحضارهم قلوبهم ليفهموا ما يلقى إليهم، واستنبط القاضي شريح (٣) من هذا الحديث أن مؤدب الأطفال لا يزيد على ضرب الصبي على التعلم على ثلاث ضربات، كما عصر جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثاً وفي صبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين عصره جبريل تنبيه على أن المتعلم ينبغي له أن يتواضع لمعلمه وإن كان أصغر منه.

قالوا: العلم حرب للمتعالي كالسيل حرب للمكان العالي.

وقال ابن عباس: ذللت طالباً ففزت مطلوباً.

وقال الإمام علي كرم الله وجهه: من حق المعلم عليك أن تسلم على الناس عامة، وتخصه من دونهم بالتحية وأن تجلس أمامه ولا تشيرن عنده بيدك، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا تغمزن بعينيك، ولا تقولن قال فلان خلافاً لقوله، ولا تساور في مجلسه، ولا تأخذ بثوبه، ولا تلح عليه إذ كسل، ولا تعرض أي: تشبع من طول صحبته.

قال النووي قدس الله سره: ولا نعلم إلا ممن كملت أهليته وظهرت ديانته وتحققت معرفته واشتهر صيانته، فقد قال السلف الصالحون: هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، فقال: جبريل غط النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات ويقول له: اقرأ وهو يقول: ما أنا بقارئ في المرة الرابعة ?اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ? [العلق: ١، ٢، ٣] فقوله ?اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ? معناه: لا تقرأ القرآن بقوتك، ولا بمعرفتك، بل بحول ربك وإعانته فهو يعلمك كما خلقك، وكما نزع عنك علق الدم ومغمز الشيطان في الصغر، وعلم أمتك حتى


(١) أخرجه الديلمي في مسند الفردوس (٥/٣٤٥، رقم ٨٣٨٥) عن أبي هريرة.
(٢) ذكره العجلوني في كشف الخفاء (١/٢٥٦) وعزاه إلى الثعلبي وكثير من المفسرين عن حذيفة، ثم قال: حديث موضوع كما قاله الحافظ العراقي وغيره، وقيل: إنه ضعيف.
وذكره البيضاوي في التفسير (١/٨٤) ، وأبو السعود في تفسيره (١/٢٠) .
(٣) هو: شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي، أبو أمية، من أشهر القضاة الفقهاء في صدر الإسلام، أصله من اليمن، ولي قضاء الكوفة في زمن عمر وعثمان وعلي ومعاوية، واستعفى في أيام الحجاج، فأعفاه سنة ٧٧ هـ‍، وكان ثقة في الحديث، مأمونا في القضاء، له باع في الأدب والشعر، وعمر طويلاً، ومات بالكوفة سنة: ٧٨ هـ‍.

<<  <  ج: ص:  >  >>