صارت تكتب بالقلم يعني أنها كانت أمية.
وقوله: ?خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ? فيه إذن وإعلام بأن الإنسان أشرف المخلوقات.
قال القاضي أبو بكر ابن العربي: ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان فإن الله تعالى خلقه حياً عالماً قادراً مريداً حكيماً وهذه صفات الرب سبحانه وتعالى.
وينبني على كون الإنسان أحسن المخلوقات سؤال وهو: ما لو قال شخص لزوجته: إن لم تكوني أحسن من القمر فأنت طالق هل تطلق زوجته بذلك إن لم تكن أحسن من القمر أم لا؟
قال العلماء: إنها لا تطلق وإن كانت زنجية لقوله تعالى ?لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ? [التين: ٤] إذ المراد به إحكام الخلقة وكمال العقل.
وقد وقعت هذه الواقعة في أيام الملك المنصور (١) لموسى بن عيسى الهاشمي كان يحب زوجته حباً شديداً فقال لها: يوماً أنت طالق ثلاثاً إن لم تكوني أحسن من القمر، فنهضت واحتجبت عنه وقالت: طلقني فإن القمر أحسن مني وبات في ليلة عظيمة، فلما أصبح ذهب إلى دار المنصور فأخبره الخبر، وأظهر للمنصور حزناً عظيماً إذ طلب المنصور العلماء واستفتاهم في ذلك، فقال جميع من حضر وقع عليه
الطلاق، إلا واحد من أصحاب أبي حنيفة فإنه كان ساكتاً فقال المنصور: مالك لا تتكلم؟ فقال: لا تطلق يا أمير المؤمنين لأن الله تعالى قال: ?لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ? يا أمير المؤمنين الإنسان أحسن الأشياء ولا شيء أحسن منه، فقال المنصور لعيسى بن موسى الأمر كما قال الرجل، أقبل على زوجتك، وأرسل المنصور إلى زوجته أن أطيعي زوجك ولا تعصيه، فما طلقكي.
وهذا الجواب ينقل عن إمامنا الشافعي - رضي الله عنه - هذا إن أريد بالحسن إحكام العقل، وكما أن العقل فإن أريد به الجمال الظاهر أنها إذا كانت قبيحة الشكل تطلق، نبه عليه الأذرعي.
فإن قيل: الإنسان مخلوق من علقه واحدة كما في آية أخرى من نطفة ثم من علقة فكيف قال في هذه الآية ?خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ?؟
فالجواب: أن المراد جنس الإنسان خلق من علق فهو في معنى الجمع.
فإن قيل: أي: مناسبة بين الخلق العلق، والتعليم بالعلم؟
فالجواب: إن الله سبحانه وتعالى نبه لقوله ?الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ? [العلق: ٤، ٥] بعد قوله ?خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ? على أن أدنى مراتب
(١) المنصور العباسي هو: عبد الله بن محمد بن علي بن العباس، أبو جعفر، المنصور: ثاني خلفاء بني العباس، هو أول من عني بالعلوم من ملوك العرب، كان عارفاً بالفقه والأدب، مقدماً في الفلسفة والفلك، محباً للعلماء، ولد في الحميمة من أرض الشراة قرب معان سنة: ٩٥هـ، وولي الخلافة بعد وفاة أخيه السفاح سنة ١٣٦هـ، وهو باني مدينة «بغداد» أمر بتخطيطها سنة ١٤٥هـ، وجعلها دار ملكه بدلا من «الهاشمية» التي بناها السفاح، ومن آثاره مدينة «المصيصة» و «الرافقة» بالرقة، وزيادة في المسجد الحرام، وفي أيامه شرع العرب يطلبون علوم اليونانيين والفرس، وعمل أول أسطرلاب في الإسلام، صنعه محمد بن إبراهيم الفزاري، وكان بعيداً عن اللهو والعبث، كثير الجد والتفكير، وله تواقيع غاية في البلاغة، وهو والد الخلفاء العباسيين جميعاً، وكان أفحلهم شجاعة وحزماً إلا أنه قتل خلقاً كثيراً حتى استقام ملكه، توفي ببئر ميمون من أرض مكة محرماً بالحج، ودفن في الحجون بمكة سنة: ١٥٨هـ، ومدة خلافته ٢٢ عاماً، يؤخذ عليه قتله لأبي مسلم الخراساني سنة ١٣٧هـ، ومعذرته أنه لما ولي الخلافة دعاه إليه، فامتنع في خراسان، فألح في طلبه، فجاءه، فخاف شره، فقتله في المدائن، وكان المنصور أسمر نحيفاً طويل القامة خفيف العارضين معرق الوجه، رحب اللحية يخضب بالسواد، عريض الجبهة، كأن عينيه لسانان ناطقان، تخالطه أبهة الملوك بزي النساك " أمه بربرية تدعى سلامة. وكان نقش خاتمه «الله ثقة عبد الله وبه يؤمن» .