وقال أسد بن عمرو: صلى أبو حنيفة الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة، وكان عامة الليل يقرأ جميع القرآن في ركعة، وكان يسمع بكاؤه في الليل حتى ترحمه الجيران.
وطلبه ابن هبيرة ليالي القضاء فأبى، فضربه مائه سوط وعشرة أسواط في كل يوم سبعين ألف مرة.
ومن مناقبة: أن امرأة جاءته وهو في الدرس فألقت له تفاحة نصفها أحمر ونصفها أصفر فأخذها وكسرها، وأعادها إليها ففهمت المرأة الجواب، فسئل عن ذلك فقال: قالت إنها ترى الحمرة والصفر فمتى اغتسل؟ فقلت لها: حتى ترى الطهر الأبيض كباطن التفاحة.
ونقل ابن جماعة في كتاب أنس المحاضرة عن علي بن ميمون قال: سمعنا الشافعي يقول: إني لأتبرك بأبي حنيفة، وأجيء إلى قبره في كل يوم يعني زائراً، فإذا عرضت له صليت ركعتين، وجئت إلى قبره وسألت الله الحاجة عنده فما تبعد عني حتى تقضي.
وكانت وفاته سنه إحدي وخمسين ومائة وهو ابن تسعين سنة وهو وأحمد بن حنبل مدفونان ببغداد فهؤلاء الأربعة الأعلام أئمة الإسلام، اتفاقهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة.
قال بعض الصالحين رأيت في المنام أني دخلت الجنة فرأيت في وسطها عموداً من نور، ورأيت أربعة يجرونه بأربعة سلاسل وهو ثابت لا يتغير من مكانه، فقلت: يا لله العجب، وهؤلاء من جهة واحدة لكان أسهل عليهم، فسألت بعض الملائكة عن ذلك فقال: هذا العمود هو دين الإسلام وهؤلاء الأربعة الذين يجرون هم أئمة الإسلام الشافعي وأحمد وأبو حنيفة ومالك رضي الله عنهم، فاتفاقهم حجة قاطعة وقولهم حق، واختلافهم رحمة للمسلمين.
هذه والله صفات العلماء الذين تبكي على فقدهم الأرض والسماء، فهم العلماء الزهاد، وأهل الإخلاص والسداد، حنت إليهم القلوب، وانقادت إليهم النفوس، وزلت لهم الصعاب، وخضعت لهم الرؤوس، فهم في الأقطار كالأقمار والشموس، لا جرم