وقد أخرجه الدارقطني في حديث مالك من طريق عتيق بن يعقوب عن مالك مفصولاً عن الحديث الأول، وكذا فصلهما مسلم من طريق أبي أسامة عن هشام. ونكتة هذا الاقتطاع هنا اختلاف التحمل، لأنها في الأول أخبرت عن مسألة الحارث، وفي الثاني أخبرت عما شاهدت تأييداً للخبر الأول. قوله: «ليتفصد» بالفاء وتشديد المهملة، مأخوذ من الفصد وهو: قطع العرق لإسالة الدم، شبه جبينه بالعرق المفصود مبالغة في كثرة العرق. وفي قولها: «في اليوم الشديد البرد» دلالة على كثرة معاناة التعب والكرب عند نزول الوحي، لما فيه من مخالفة العادة، وهو كثرة العرق في شدة البرد، فإنه يشعر بوجود أمر طارئ زائد على الطباع البشرية. وقوله: «عرقاً» بالنصب على التمييز، زاد ابن أبي الزناد عن هشام بهذا الإسناد عند البيهقي في الدلائل: «وإن كان ليوحي إليه وهو على ناقته فيضرب حزامها من ثقل ما يوحي إليه» . تنبيه: حكى العسكري في التصحيف عن بعض شيوخه أنه قرأ «ليتقصد» بالقاف، ثم قال العسكري: إن ثبت فهو من قولهم: تقصد الشيء إذا تكسر وتقطع، ولا يخفى بعده (انتهى) . وقد وقع في هذا التصحيف أبو الفضل بن طاهر، فرده عليه المؤتمن الساجي بالفاء، قال: فأصر على القاف، وذكر الذهبي في ترجمة ابن طاهر عن ابن ناصر أنه رد على ابن طاهر لما قرأها بالقاف، قال: فكابرني قلت: ولعل ابن طاهر وجهها بما أشار إليه العسكري. والله أعلم. وفي حديث الباب من الفوائد -غير ما تقدم- إن السؤال عن الكيفية لطلب الطمأنينة لا يقدح في اليقين، وجواز السؤال عن أحوال الأنبياء من الوحي وغيره، وأن المسؤول عنه إذا كان ذا أقسام يذكر المجيب في أول جوابه ما يقتضي التفصيل. والله أعلم. (٢) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (٨/٣٧٩) عن عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس عن أبيه، وفيه أن عائشة رضي الله عنها قالت هذا الكلام، ولكن الحديث من رواية عمران هذا.