قلت: وقد وردت هذه الكيفية من كيفيات الوحي في عدة أحاديث مختلفة الموضوعات ونكتفي بالعزو للترمذي وأحمد في وقوع هذه الكيفية. (٢) رواه الطبري في التاريخ (١/٥٧٣) ، وكذا ابن عبد البر في الاستيعاب (١/٣٥) كلاهما عن الشعبي. وأورده ابن حجر في فتح الباري (١/٢٧) وعزاه إلى التاريخ للإمام أحمد بن حنبل وأسهب في مناقشة هذه المسألة فقال: وقع في تاريخ أحمد بن حنبل عن الشعبي أن مدة فترة الوحي كانت ثلاث سنين، وبه جزم بن إسحاق، وحكى البيهقي أن مدة الرؤيا كانت ستة أشهر، وعلى هذا فابتداء النبوة بالرؤيا وقع من شهر مولده وهو ربيع الأول بعد إكماله أربعين سنة، وابتداء وحي اليقظة وقع في رمضان، وليس المراد بفترة الوحي المقدره بثلاث سنين وهي ما بين نزول «أقرأ» و «يا أيها المدثر» عدم مجيء جبريل إليه بل تأخر نزول القرآن فقط، ثم راجعت المنقول عن الشعبي من تاريخ الإمام أحمد ولفظه من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي: «أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل عليه القرآن على لسانه، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل فنزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة» . وأخرجه ابن أبي خيثمة من وجه آخر مختصراً عن داود بلفظ: «بعث لأربعين ووكل به إسرافيل ثلاث سنين، ثم وكل به جبريل» . فعلى هذا فيحسن بهذا المرسل إن ثبت الجمع بين القولين في قدر إقامته بمكة بعد البعثة، فقد قيل: ثلاث عشرة، وقيل: عشر، وأنكر الواقدي هذه الرواية المرسلة وقال: لم يقرن به من الملائكة إلا جبريل (انتهى) . ولا يخفى ما فيه فإن المثبت مقدم على النافي إلا إن صحب النافي دليل نفيه فيقدم والله أعلم. وأخذ السهيلي هذه الرواية فجمع بها المختلف في مكثه - صلى الله عليه وسلم - بمكة فإنه قال: جاء في بعض الروايات المسندة أن مدة الفتره سنتان ونصف، وفي رواية أخرى: أن مدة الرؤيا ستة أشهر، فمن قال مكث عشر سنين حذف مدة الرؤيا والفترة، ومن قال ثلاث عشرة أضافهما، وهذا الذي اعتمده السهيلي من الاحتجاج بمرسل الشعبي لا يثبت، وقد عارضه ما جاء عن ابن عباس أن مدة الفترة المذكورة كانت أياماً. انظر: أيضاً هذه المسألة عند ابن عبد البر في التمهيد (٣/١٤) .