«لقد خشيت على نفسي» أي: خفت عليها، وهو جواب قسم محذوف أي: والله لقد خشيت، وهو مقول قال، أي: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أخبرها بخبر ما وقع مع جبريل، لقد خشيت على نفسي.
قال شيخ الإسلام شهاب الدين ابن حجر: اختلف العلماء في مراده - صلى الله عليه وسلم - بالخشية المذكورة على اثنى عشر قولاً:
فقيل: خشي أن يحصل له عند رؤية جبريل وأن يكون ما رآه من جنس الكهانة.
وقيل: خشي من العجز على أعباء النبوة.
وقيل: خشي أن يعجز عن النظر إلى الملك من الرعب.
وقيل: خشي من عدم الصبر على أذي قومه.
وقيل: خشي من أن يقتلوه.
وقيل: خشي من مفارقة الوطن وقيل خشي من تكذيبهم إياه.
وقيل: خشي من تعييرهم إياه.
والراجح: كما قاله ابن حجر من الأقوال أنه خشي من الموت من شدة الرعب أو من المرض أو دوام المرض (١) .
فائدة: يستفاد من كون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخبر خديجة إلا بعد أن ذهب عنه الفزع أن العالم في حال خوفه ينبغي أن يسأل عن شيء حتى يزول عنه فزعه، وكذلك القاضي ينبغي أن لا يقض في حال فزعه، ولا يرفع إليه أمر في تلك الحال حتى أن الإمام مالك - رضي الله عنه - قال: إن الخائف المذعور لا يصح بيعه ولا إقراره، ولا غيره.
قال:«لقد خشيت على نفسي قالت له: خديجة كلا والله ما يحزنك الله أبداً» معنى «كلا» هنا النفي والإبعاد أي: لا والله ما يخزيك الله أبداً أي: ما يفضحك ويهينك، ورواه مسلم «يحزنك» من الحزن خلاف السرور، ويجوز على هذا فتح الياء وضمها فيقال «يَحزيك ويُحزيك» ، فإنه جاء:«أحزنه وحزنه» لغتان فصيحتان قرئ بهما في السبع قال تعالى ?لاَ يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَرُ? [الأنبياء: ١٠٣] من حزن ?قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ? [يوسف: ١٣] من أحزن على قراءة من قرأ بضم الياء.
فائدة: الفرق بين الهم الحزن أن الحزن يكون على أمر قد وقع، كأن مات له ميت