للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فألقت نفسها على أثر أولادها، ثم تبعها أبو أولادها (١) .

فانظر إلى هذا الثبات على الإيمان والصبر على العذاب لحصول النعيم االأبدي.

«قال هرقل لأبي سفيان وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر» .

أي: لأنها لا تطلب حظ الدنيا الذي لا يبالي طالبه بالغدر، وبخلاف من طلب الآخرة فإنه لا يرتكب غدراً ولا غيره من القبائح.

«وسألتك بما يأمركم فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف» .

ثم قال هرقل بعد فراغه من الأسئلة وأجوبتها «فإن كان ما تقول يا أبا سفيان حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين» .

أي: بيت المقدس وأراد الشام وفي مسلم: «فإن يك ما يقوله حقاً فإنه نبي وقد كنت أعلم أنه خارج فلم أكن أظن أنه منكم معاشر العرب» (٢) كأنه استبعد أن يتنبأ من العرب.

فإن قيل: من أين كان يعلم بخروج المصطفي - صلى الله عليه وسلم - حتى قال: كنت أعلم أن خارج؟

فالجواب: أن الكرماني قال في هذا: اعلم أن كل الذي قاله هرقل مأخذه إما من القرائن العقلية، وإما من الأحوال العادية، وإما من الكتب القديمة.

وقال ابن الملقن: إنما علم ذلك من التوراة والإنجيل.

وقال المازري (٣) : هذه الأشياء الذي يسأل عنها هرقل ليست قاطعة على النبوة إلا أنه يحتمل أنه كانت عنده علامات على هذا النبي بعينه، لأنه قال: وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم.

ثم قال هرقل «فلو أني أعلم أني أخلص إليه» أي: أصل إليه «لتجشمت لقاؤه» أي: لتكلفت لقاؤه على خطر ومشقة، وحملت نفسي على الارتحال إليه لو كنت أتيقن الوصول إليه، لكني أخاف أن يعوقني عائق فأكون قد تركت ملكي، ولم أصل إلى خدمته.

«ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه» أي: مبالغة في العبودية والخدمة، واقتصاره على غسل القدمين إشارة منه إلى أنه لا يطلب منه إذ وصل إليه ولاية، ولا منصباً وإنما


(١) هذا مشهور بماشطة وله ألفاظ متقاربة فأخرجه أحمد في مسنده (١/٣٠٩، رقم ٢٨٢٢) ، وابن حبان في صحيحه (٧/١٦٣، رقم ٢٩٠٣) ، والحاكم المستدرك على الصحيحين (٢/٥٣٨، رقم ٣٨٣٥) ، وأبو يعلى (٤/٣٩٤، رقم ٢٥١٧) ، والطبراني في المعجم الكبير (١١/٤٥٠، رقم ١٢٢٧٩) ، والبيهقي في شعب الإيمان (٢/٢٤٣، رقم ١٦٣٦) ، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (١٠/٢٧٥، رقم ٢٨٨) عن ابن عباس.
(٢) انظر: رواية الإمام مسلم للحديث في صحيحه (٣/١٣٩٣، رقم ١٧٧٣) .
(٣) المازري هو: محمد بن علي بن عمر التميمي المازري، أبو عبد الله، محدث، من فقهاء المالكية مولده سنة: ٤٥٣ هـ‍، نسبته إلى «مازر» بجزيرة صقلية، ووفاته بالمهدية له: المعلم بفوائد مسلم في الحديث، وهو ما علق به على صحيح مسلم، حين قراءه، ومن كتبه: التلقين في الفروع، والكشف والانباء في الرد على الإحياء للغزالي، وإيضاح المحصول في الأصول، وكتب في الأدب، وكانت وفاته سنة: ٥٣٦هـ‍.

<<  <  ج: ص:  >  >>