فطمع أن يكون هو، فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وصرفت النبوة عن أميه حسده وكفر وأنزل في حقه كما قاله عبد الله بن عمرو بن العاص ?وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ? [الأعراف: ١٧٥] ، وأما ولده حرب جده معاوية فإن الجن قتلوه بمفازة وأنشدوا فيه.
وقبر حرب بمكان فقر وليس قرب قبر حرب قبر
ولقتله سبب ذكره الكمال الدميرى في الغراب.
قال الإمام النووي - رضي الله عنه -: اعلم أن هذه القطعة أي: من قصة هرقل مشتملة على جميل من القواعد ومهمات من الفوائد:
منها: جواز مكاتبة الكفار وقد كاتب النبي - صلى الله عليه وسلم - ستة من ملوك الكفار غير هرقل كما سنذكرهم في محلهم إن شاء الله تعالى.
ومنها: دعاء الكفار إلى الإسلام قبل قتالهم.
ومنها: استحباب تصدير الكتب بسم الله الرحمن الرحيم وإن كان المبعوث إليه كافراً، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول الأمر قبل نزول البسملة يصدر كتابه باسمك اللهم على طريقة قريش حتى نزلت ?بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا? [هود: ٤١] فكتب بسم الله حتى نزلت ?قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ? [الإسراء: ١١٠] فكتب بسم الله الرحمن حتى نزلت ?إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنِّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ? [النمل: ٣٠] فكتبها.
ومنها: أن السنة في المكاتبة والرسائل بين الناس أن بيد الكتاب بنفسه فيقول من فلان إلى فلان، وإن كان المرسل إليه أعظم من المرسل كما عليه الأكثر، قال الربيع بن أنس ما كان أحد أعظم حرمة من النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان أصحابه يكتبون إليه مبتدين بأنفسهم وهم مقتدون في ذلك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه بدأ بنفسه لما كاتب هرقل وغيره فقال: من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم.
وروى: أن هرقل لما أخرج كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقرأه فرأى أخو هرقل أنه - صلى الله عليه وسلم - بدأ بنفسه فأخذ الكتاب ليمزقه فأخذه هرقل وقال: أنت أحمق صغير وأحمق كبير , وقرأه.
ومنها: أن فيه دلالة على جواز معاملة الكفار بالدراهم المنقوشة فيها بسم الله للضرورة، ونقل عن مالك الكراهة.
ومنها: أن فيه دلالة على جواز مسافرة المسلم إلى أرض الكفار.
ومنها: أن فيه دلالة على جواز بعث آية من القرآن ونحوها إليهم، نعم لا يجوز المسافرة بالمصحف إلى دار الكفر، وكذلك لا يجوز المسافرة بحمله منه خوفاً من وقوعه