للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفضيل بن عياض حضرته الوفاة فدخل عليه الفضيل وجلس عند رأسة وقرأ سورة ياسين فقال يا أستاذ ألا تقرأ هذه؟ فسكت ثم لقنه، وقال له: قل لا إله إلا الله، فقال: لا أقولها آناء نهاري ومات على ذلك، فدخل الفضيل منزله وجعل يبكي أربعين يوماً ولم يخرج من البيت، ثم رآه في النوم وهو يسحب إلى جهنم أجارنا الله منها بمنه فقال: بأي شيء نزع الله المعرفة عنك وكنت أعلم تلاميذي؟ فقال: بثلاثة أشياء أولها: النميمة فإني قلت لأصحابي بخلاف ما قلت لك، والثاني: الحسد حسدت أصحابي، والثالث: كان بي علة وجئت إلى طبيب وسألته عنها فقال: تشرب في كل سنة قدحاً من خمر فإذا لم تفعل تبقى في تلك العلة، فكنت أشربه نعوذ بالله من سخطه الذي لا طاقة لنا به.

وقال في الروض الفائق: يروى أن أخوين كان أحدهما عابداً والآخر مسرفاً على نفسه، وكان العابد يتمنى أن يرى إبليس في محرابه فتمثل به إبليس فقال: له وأسفا عليك ضيعت عمرك أربعين سنة في حصر نفسك وإتعاب بدنك، وقد بقي من عمرك ما مضى، فأطلق نفسك في شهواتها وتلذذ، ثم تب بعد ذلك وعد إلى العبادة فإن الله غفور رحيم فقال: العابد لعلي نزل وحي في أسفل الدار أوافقه على اللهو واللذات عشرين سنة، ثم أتوب وأعبد الله في العشرين التي تبقى من عمري فنزل، وقال أخوه المسرف على نفسه: قد أفنيت عمري في المعاصي وأخي العابد يدخل الجنة، وأنا أدخل النار والله لأتوبن وأصعد إلى أخي العابد وأوفقه في العبادة ما بقي من عمري، فلعل الله أن يغفر لي، فطلع على نية التوبة ونزل أخوه على نية المعصية فزلت المعصية رجله فوقع على أخيه، فماتا جميعاً في السلم، فحشر العابد على نية المعصية وحشر المسرف المسلم على نية التوبة.

ففرغوا قلوبكم للاعتبار فيما يجري في الليل والنهار، كم من بعيد قرب وكم من قريب أبعد، وجفاه الأهل والجيران، كان حظ الأول الجنة، وحظ الثاني النار فاعتبروا يا أولي الإبصار، ندم العابد على تغيير نيته بلا شك ولا خفاء، وبكى على تفريطه بعد عبادته إذ زل، وهنا يود لو أن يرد ويرجع إلى الوفاء، وسيعلم أنه كان يبني على شفا جرف هار فاعتبروا الإبصار، ولقد أحسن من قال:

أناس عرضوا عنا ... بلا جرم ولا معنى

أساؤا ظنهم فينا ... فهلا أحسنوا الظنا

فإن عادوا لما عدنا ... وإن خانوا فما خنا

<<  <  ج: ص:  >  >>